هاربون من شرق الفرات: ’داعش’ و’التحالف الدولي’ وجهان لإرهاب واحد

لا يكاد ينقضي يوم دون أن تقفز أسماء بلدات هجين والشعفة والسوسة الواقعة على الضفة الشرقية لنهر الفرات إلى عناوين نشرات الأخبار والسبب كما بات معروفا هو المجازر اليومية التي يرتكبها ما يسمى بـ “طيران التحالف الدولي” بحق المدنيين الأبرياء هناك بحجة محاربة “داعش”، ليعيش الأهالي هناك يومياتهم بين فكي كماشة طرفاها داعش وطيران التحالف.

موقع “العهد” الإخباري التقى عددا من الأهالي الهاربين من جحيم الحرب في بلداتهم إلى ظلال الأمان الوارفة في دير الزور ومحيطها حيث رووا لنا مشاهداتهم هناك.

طيران التحالف القاتل الأكبر

يلهثون على لحظة أمان افتقدوها منذ أن خرجت بلداتهم هجين والشعفة والسوسة الواقعة على الضفة الشرقية لنهر الفرات عن سيطرة الحكومة السورية لتتناوب على احتلالها فصائل معارضة اختلفت تسمياتها ما بين ميليشيا الجيش الحر وفصائل جبهة النصرة الإرهابية وصولا إلى تنظيم داعش التكفيري، اتفق هؤلاء على سلوك دموي واحد تجاه الأهالي قبل أن يطرأ على المشهد الميداني ضيف ثقيل آخر هو طيران ما يسمى “التحالف الدولي” الذي شغر الأجواء السورية بطريقة غير شرعية وبحجة معلنة هي محاربة تنظيم “داعش” التكفيري لتمتد ذراعه الطويلة لإستهداف الأهالي الآمنين هناك، ولتصبح مجازره بحق النساء والأطفال والعجائز خبرا يوميا لم تستطع قيادة هذا التحالف نفيه وإن نسبته بابتذال شديد إلى “أخطاء” قد تحدث بشكل طبيعي في مجريات الميدان، “أخطاء” دفعت الحكومة السورية المنشغلة بحربها على الإرهاب في أكثر من جغرافيا حيوية إلى إعلاء الصوت وإرسال الرسائل إلى مجلس الأمن والأمم المتحدة احتجاجا على هذه الوحشية قبل أن يجزم وزير خارجيتها وليد المعلم في مؤتمره الصحفي الأخير مع نظيره العراقي بأن وجهة الجيش السوري التالية بعد إدلب ستكون نحو مناطق شرق الفرات حيث تشكل قوات ” قسد ” ذراع الإحتلال الأمريكي على الأرض.

طيران التحالف يوزع اللحم البشري للكلاب الشاردة

نقطة الإنعطاف الحقيقية بالنسبة للكثير من أهالي مناطق شرق الفرات تمثلت في انتصارات الجيش السوري المذهلة في دير الزور ونجاحه وبشكل كبير في إيجاد معابر آمنة لهم باتجاه مدينة البوكمال على الحدود السورية العراقية ، اختار بعضهم البقاء هناك وآخرون فضلوا العودة إلى دير الزور وريفها القريب بعدما تتالت الأخبار عن نشاط محموم للحكومة السورية في إعادة الخدمات والبنى التحتية إلى هناك فيما عاد آخرون من أهالي دير الزور وريفها إلى بيوتهم بعدما كانت هجين وجهتهم السابقة حين أطبق “داعش” حصاره المرعب على المدينة قبل سنوات.

أبو عمر واحد من هؤلاء روى لموقع “العهد” الإخباري عن مشاهداته اليومية في هجين التي قصدها يوما بعيدا عن أجواء الجوع في دير الزور ليلاقي فيها ما هو أشد وأمضى ” لم يعد الأمر يطاق فالملاذ الآمن المفترض بات جحيما ، المشهد اليومي المثير للرعب والإشمئزاز كان منظر اللحم البشري الملقى على الطرقات والأسوء أنه لم يكن بإمكاننا أن نحترم قدسية الشهادة لأناس صرفنا الكثير من العمر برفقتهم وانتهى بهم المطاف أشلاء على الطرقات لا يمكننا الوصول إليها بسبب شدة القصف وفظاعته”.

علا صوت أبو بشير بالقصف على قصف طيران التحالف و”داعش” وقوات سوريا الديموقراطية الذين شكلوا بالنسبة له ولعائلته أضلع مثلث الشر “شي ما ينحكى يا عمي، مر ، بمر، مرار، سكنت آني بهجين وصار القصف على هجين، شي الكراد وشي داعش، اللحم بالشوارع، الجثث بالشوارع من ورا ضربات التحالف، الشاطئ من هون ومن هون مليان بالجثث، الله الوكيل ما نقدر نوصللها، أنا كنت ساكن على الجرف عند العبر، كنت شوف جثث ما فينا نجيبها، الكلاب حشا قدرك تعَر بيها، ذقنا الأمرين يا عمي ذقنا الأمرين، عبرنا بعدها على البصيرة ومن البصيرة عبرنا على دير الزور ومن دير الزور جينا لبلدنا، بلدنا بخير يا عمي والحمد لله وهاي شوفة عينك نصول ونجول ورافعين راسنا ببلدنا طبعا بفضل الله وسيادة الرئيس اللي أمن لنا كل شي وأنا راح يصير إلي سنة هون ساكن بالبوكمال وكل شي موجود فيها وشو يخطر على بالك لبن عصفور تلقاه بالبوكمال ، بس نريد أهل البوكمال يعودون للبوكمال والله أمان والله بخير والله بنعمة والله ما في اي مشكلة بيناتنا وبين دولتنا”.

“داعش” يغير تكتيكاته

الشيخ عايش بن عبد ربه البرغون روى بدوره لموقع “العهد” الإخباري ما عاناه حين كان في بلدة الحمدان في مدينة البوكمال واضطره القصف الشديد لطيران التحالف إلى الهروب إلى الجزيرة ومنها إلى بلدة السوسة ” طلعنا على السوسة صاروا يضربوا علينا بالكيماوي (يقصد قنابل الفوسفور الأبيض) ما بعرف شو ماتت عوائل معنا على الطريق “.

الشيخ علي شرح لموقع “العهد” الإخباري كيف ان معظم ضحايا قصف قوات التحالف بقنابل الفوسفور الأبيض كان من المدنيين ومن النساء والأطفال بشكل عام “الدواعش كانوا ينجون من القصف لأنهم يحسنون التخفي والتحصن، كنا نهرب من مكان لمكان وشفنا الناس قدامنا عم بتموت بالقصف”.

الشيخ عايد أكد أن التشرد والنزوح الأكبر كان بسبب ضربات التحالف “هربوا الناس وانتشروا في القرى والبوادي، والصحارى والجزيرة ” لكن الطامة الكبرى كانت في موقف داعش الذي اتخذ من المدنيين دروعا بشرية “الدواعش لم يكن يسمحون لنا بالخروج من السوسة ، قلنا نخرج هريبة ويا ويل اللي يمسكونه، لأنو مصيروا يكون الإعدام الفوري”.

لكن الدواعش وعلى حد وصف الشيخ عايد فطنوا أخيرا إلى أن اتخاذ المدنيين دروعا بشرية تجاه تحالف لا يضيره أن يقتل العشرات منهم بدم بارد لم يعد مجديا ، فانتقلوا إلى المتاجرة بسعي هؤلاء الأبرياء للنجاة بأرواحهم إلى مناطق سيطرة الحكومة السورية وبدلا من مشاهد الإعدام التي كان يعرضها الدواعش للمهربين تولى مقاتلوا التنظيم التكفيري هذه المهمة التي كانت بالنسبة لهم الدجاجة التي تبيض ذهبا، فالناس ستشتري حياتها وفرارها منهم بكل ما تملك وهو الأمر الذي تحصلوا عليه، ففي الحروب تنشط التجارة التي لا تقيم أي وزن للأخلاق.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *