أوضحت صحيفة “لوموند” الفرنسية أن العدالة السعودية اعترفت بتقطيع جثة الصحافي البارز جمال خاشقجي؛ لكنها أبقت ولي العهد محمد بن سلمان بعيداً عن شبهة الاتهام في القضية، موجهة تهمة التخطيط للعملية بالأساس لشخصين هما: نائب رئيس جهاز المخابرات العقيد أحمد عسيري الذي تولى تشكيل فريق كلفه بإعادة خاشقجي إلى المملكة طوعا أو كرها. والشخص الثاني هو المسؤول “الذي اتخذ من تلقاء نفسه قرار تصفية خاشقجي” داخل القنصلية بعد أن تبين له استحالة جلب الصحافي السعودي حيا إلى الرياض.
وقالت الصحيفة الفرنسية، في تقرير نشرته بعددها لنهاية الأسبوع، إن تصريحات مساعد النائب العام السعودي شعلان الشعلان، بأن نتائج التحقيق أثبتت أن ولي العهد محمد بن سلمان لم يكن على علم بعملية قتل الصحافي جمال خاشقجي داخل قنصلية بلاده في اسطنبول في الثاني من أكتوبر الماضي؛ تناقض الاعتقاد السائد لدى عدد كبير من المراقبين بأن خاشقجي الذي كان ينتقد سياسة ولي العهد محمد بن سلمان لا يمكن تصفيته دون إذن من ولي العهد الذي يمسك بزمام الأمور في بلاده وخاصة على الصعيد الأمني.
وتعتبر هذه المرة الأولى التي تعلن فيها السعودية تقطيع جثة خاشقجي بعد حقنه بمادة قاتلة بعدما كانت الرياض تؤكد أن الصحافي مات في عراك خلال التحقيق معه قبل أن تبدأ التراجع عن الروايات السابقة تحت ضغط المحققين الأتراك. ولم تكشف النيابة العامة السعودية عن هوية قائد الفرقة التي تولت تصفية خاشقجي لكن المعطيات تشير إلى أنه ماهر عبد العزيز المطرب وهو عقيد في جهاز الاستخبارات مقرب من بن سلمان، والذي كشف الأتراك عن هويته ضمن باقي أعضاء الفريق الخمسة عشر عبر تسجيلات كاميرات المراقبة في اسطنبول.
وتقول النيابة العامة إنه من أصل 21 متهما، أحيل 11 إلى العدالة حيث طالبت النيابة بإعدام 5 منهم دون أن يتضح ما إذا كان بينهم سعود القحطاني المستشار الإعلامي لولي العهد والذي ورد اسمه في العملية حيث أكدت وكالة رويترز للأنباء أنه تولى التحقيق عبر الإنترنت مع خاشقجي وهو داخل القنصلية قبل قتله بدقائق. وقد أشار المتحدث بإسم النيابة العامة إلى دور للقحطاني تمثل في لقاء عقده مع قائد فرقة الموت لإقناعه بأن خاشقجي يشكل تهديدا للأمن الوطني في السعودية.
واعتبرت “لوموند” أن ظهور النائب العام المساعد السعودي جزءٌ من إجراءات قررت السعودية القيام بها لتخفيف الصدمة التي أعقبت الحادثة البشعة وتم الاتفاق على تلك الخطوات بين الملك سلمان وابنه ولي العهد محمد وفي إطارها قاما بجولة مطلع نوفمبر /تشرين الثاني الجاري في منطقة القصيم ذات الأغلبية المحافظة وسط السعودية. غير أن العديد من المراقبين يشككون في جدية الإجراءات؛ حيث يؤكد خبير عسكري غربي أن العقيد أحمد عسيري الذي وجهت له التهمة ليس سوى كبش فداء لولي العهد إذ لا يصدق هذا الخبير أن يتصرف عسيري وهو عسكري ذو خبرة ومعروف بانضباطه دون تعليمات من ولي العهد خاصة عندما يتعلق الأمر بعملية خطيرة مثل عملية قتل خاشقجي.
كما نقلت الصحيفة عن ياسمين فاروق الباحثة المتخصصة في الشأن السعودي بمؤسسة كارنيغي الأمريكية قولها إن تصريحات النيابة العامة السعودية ليست سوى اخراج مسرحي لإعطاء الدول الغربية المُحرجة مبررات لطي الصفحة.
وقد رحبت دول عربية حليفة للسعودية مثل مصر بالخطوة السعودية بينما اعتبرتها الولايات المتحدة وفرنسا خطوة في الاتجاه الصحيح؛ على الرغم من أن إدارة الخزينة الأمريكية فرضت عقوبات على 17 شخصا سعوديا مشتبها بهم في العملية.
وتؤكد ياسمين فاروق أن ولي العهد السعودي حاليا في وضع أحسن مما كان عليه عند بداية الأزمة حيث لم تتخل عنه الإدارة الأمريكية وكذلك روسيا وبالتالي فإن احتمال خلعه من الحكم بات مستبعدا، فيما يقول استشاري غربي مقرب من العائلة الحاكمة في السعودية إن خاشقجي بات من الماضي وقد نجح السعوديون في اختلاق رواية تحمي ولي العهد ومن غير المحتمل أن تعود الأزمة إلى التصاعد من جديد.
وخلصت “لوموند” إلى أنه في ظل صمت العائلة الحاكمة طيلة هذه الأزمة رغم اختلافها مع بن سلمان؛ يبقى الطرف الوحيد القادر على تحريك الملف هو تركيا التي اعتبرت أن توضيحات النيابة العامة السعودية غير كافية. وصرح وزير الخارجية التركي مولود شاويش أوغلو أن الرواية السعودية متضاربة حيث تقول إن قتل خاشقجي جاء بعد استحالة ترحيله للسعودية لكن عملية القتل تم التخطط لها مسبقا، وقد أكد الرئيس التركي رجب طيب اردوغان عدة مرات أن أوامر قتل خاشقجي جاءت من جهات عليا في المملكة مع استثنائه الملك سلمان وإشارته لابنه.