لا حديث في تونس سوى عن “زيارة” ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، فالشارع التونسي منشغل اليوم في ابتكار طرق جديدة للتعبير عن “رفضه” لهذه الزيارة المثيرة للجدل، فيما تمتلىء مواقع التواصل الاجتماعي بعدد كبير من الوسوم المطالبة بـ”محاسبة” بن سلمان والكشف عن حقيقة اغتيال الصحافي جمال خاشقجي.
في شارع الولايات المتحدة في قلب العاصمة التونسية، تنتصب لافتة عملاقة على مبنى نقابة الصحافيين، تحمل صورة لشخص يحمل منشارا كهربائيا مرفقة بعبارة “لا لتدنيس أرض تونس الثورة”، تعبيرا عن رفض الصحافيين التونسيين لزيارة بن سلمان إلى تونس.
النقابة أطلقت مؤخرا وسما بعنوان “لا لتدنيس أرض تونس الثورة”، تنظم اليوم مع عدد كبير من منظمات المجتمع المدني، ندوة صحافية بعنوان “لا أهلا ولا سهلا ببن سلمان في أرض تونس الثورة”.
وقبل أيام وجهت النقابة رسالة إلى الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي، عبّرت فيها عن رفضها زيارة ولي العهد السعودي إلى تونس، معتبرة أنها “محاولة لتبييض سجله الدّامي، على خلفية تورطه ونظام الحكم في بلاده في جرائم بشعة تمس حقوق الإنسان، لعلّ آخرها جريمة اغتيال الكاتب الصحافي جمال خاشقجي (…) وهي اعتداء صارخ على مبادئ ثورتنا”.
كما أنشأ سياسيون ونشطاء مناسبة على “فيسبوك” بعنوان، “لا أهلا ولا سهلا بالسفاح ومجرم الحرب”، حيث تظهر صورة بن سلمان إلى جانب خاشقجي، وتتضمن أيضا دعوة لوقفة احتجاجية للتعبير عن رفض الشارع التونسي لهذه الزيارة.
وضمن هاشتاغ “زيارة المنشار عار” كتب طارق الكحلاوي القيادي السابق في حزب “حراك تونس الإرادة”: “محمد بن سلمان شخصية مضطربة وخطيرة، ويجب التعامل معه على أنّه شخص مطلوب للعدالة ولا يمكن أن نرحّب به في تونس”.
وأضاف الكحلاوي “بدأت أجهزة دعاية السبسي تشتغل هذا الصباح لتبرير استقبال بن سلمان، مواقع تنقل عن جريدة مغمورة (المصور) ان السعودية ستجلب معها وديعة بملياري دولار (تبييض الدم مقابل المال)، امر بهذه الضخامة لم يتم ذكره فيما قبل من اي مصدر رسمي (تونس طلبت ودائع مالية طيلة السنوات الماضية ولم تقدمها سوى امريكا وقطر) خاصة انه من المعروف ان الودائع يتم التفاوض عليها وتستغرق وقتا”.
ونشر إعلاميون ونشطاء ضمن وسوم “لا أهلا ولا سهلا بصاحب المنشار” و”أبو منشار”، صورا مركبة لبن سلمان وهو يحمل بيده منشارا، كما بدل سياسيون تونسيون الصورة الشخصية لحساباتهم بصورة لبن سلمان تحت عنوان “مطلوب للعدالة”، كُتب فيها “محمد بن سلمان، حامي بن علي من العدالة، عرّاب تصفية القضية الفلسطينية، مدمر اليمن وقاتل أطفاله، قاتل الصحافي جمال خاشقجي”.
“عدوى” الاعتراض على زيارة بن سلمان انتقلت أيضا إلى البرلمان التونسي، حيث رفع عدد من النواب شعار “لا أهلا ولا سهلا بالقاتل بن سلمان في تونس”، وقال عماد الدائمي النائب عن حزب “حراك تونس الإرادة”: “أود التعبير عن رفضي وعدد من النواب وجزء كبير من التونسيين، لزيارة محمد بن سلمان المتورط بجرائم ضد الإنسانية إلى تونس، هذه الزيارة التي تهدف إلى تلميع صورته على حساب صورة بلادنا، وأدعو التونسيين للتحرك ضد هذه الزيارة”.
وسائل الإعلام أيضا أدلت بدلوها في هذا الأمر، حيث أعلنت قناة “تلفزة تي في” أنها ستعرض سلسلة من البرامج الوثائقية توثق للوضع المأساوي في اليمن والذي تسببت به الحرب التي تخوضها السعودية وحلفاؤها على هذا البلد العربي.
من حهته عبّر الرئيس التونسي السابق، منصف المرزوقي، عن رفضه لزيارة ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، مشيرا إلى أن “تونس الحرة لا تُقايض الشرف بالرز”، في إشارة إلى رفض الدعم المالي الذي يُفترض أن يعلن عنه بن سلمان خلال زيارته إلى تونس.
وحث المرزوقي (رئيس حزب تونس الإرادة) التونسيين على المشاركة في الوقفة الاحتجاجية التي سينفذها حزبه وعدد من الأحزاب الأخرى ومنظمات المجتمع المدني وسط العاصمة التونسية رفضا لزيارة بن سلمان، حيث كتب على صفحته في موقع فيسبوك “كونوا جميعا في الموعد، اعتزازا بمكانة بلدنا كملهمة للربيع العربي والأرض العربية التي رفعت عاليا راية حقوق الانسان والديمقراطية”.
وأضاف “دفاعا عن رؤيا نبيلة للسياسة، ورفضا قاطعا لشعب المواطنين الخضوع للابتزاز الرخيص أو لحسابات المصالح المشينة والظرفية, وتذكيرا لمن لم تبلغه رسالة ثورة 17 ديسمبر المجيدة، أن توتس الحرة لا تقايض الشرف بالرز، وإن تمرّغ في وسخه الآخرون”.
وكان حزب حراك تونس الإرادة أصدر بيانا عبّر فيه عن “رفضه المطلق لهذه الزيارة غير المرحب بها (لولي العهد السعودي) ويندد بإجرائها”، محملا الرئاسة التونسية مسؤولية “التبعات المنجرة عن ذلك من صورة تونس الديمقراطية وتشويهها والعبث بها, في الداخل والخارج”.
كما دعا إلى “القطع مع الاداء الدبلوماسي الموروث عن نظام الاستبداد والمتعامي عن انتهاكات حقوق الانسان، والالتزام بتكريس سياسة دبلوماسية تضمن المصالح الحيوية العليا للوطن، وتراعي واجب نصرة الشعوب الأخرى في قضاياها العادلة وتوقها للانعتاق والتمتع بحقوق المواطنة، وفق أحكام الدستور والمواثيق الدولية المصادق عليها من قبل بلادنا.
ويزور ولي العهد السعودي تونس، في إطار أول جولة خارجية له منذ مقتل الصحافي جمال خاشقجي، تشمل دولا عدة. وكانت الرئاسة التونسية “رحّبت” بيارة بن سلمان، فيما عبر عشرات السياسيين والنشطاء والمنظمات الحقوقية عن المناخ الشعبي الرافض لهذه الزيارة.
وأكد نور الدين بن تيشه المستشار السياسي للرئيس التونسي أن “الدبلوماسية التونسية لا تخضع للمشاعر والأحاسيس”، في رده على المواقف الرافضة لزيارة بن سلمان إلى تونس.