في الخامس من تشرين الثاني الجاري، انطلقت الرزمة الجديدة من العقوبات الأميركيّة على إيران، والهدف كما العادة هو “إخضاع” النظام الإيراني وكسره وتجريده من قوّته التي يملكها داخليًّا وخارجيًّا. إيران قبلت التحدي ورفعت مستوى المواجهة مع الأميركي، وهي التي كانت تحضّر لها منذ فترة، بالاعتماد على الحلفاء الأساسيين اولا، ومن خلفهم بعض الدول الأوروبية الكبرى الّتي ترفض الهيمنة الاميركية.
لم يمرّ وقت حتى تحركت الحكومة الألمانيّة بوجه العقوبات الأميركية، فبادرت إلى إعطاء ضمانات تصديريّة بقيمة 911 مليون يورو، لـ58 شركة، تتعامل مع طهران، وبذلك تستمر المانيا بلعب دور اقتصادي كبير في طهران حيث تعتبر شريكها التجاري الأكبر بين الدول الأوروبية.
حاولت الحكومة الإيرانيّة قدر الإمكان تحييد المواطن عن تأثير هذه العقوبات، ولكن بطبيعة الحال لن تنجح بذلك لأن ترابط المجتمع والاقتصاد لا يمكن فكّه، فكيف تعاطى المجتمع الإيراني مع الأسبوع الأول من العقوبات؟.
“العقوبات تستهدفني”، بهذا الوسم أطلق الإيرانيون حملة على مواقع التواصل الإجتماعي تزامناً مع بدء سريان الدفعة الثانية من العقوبات الأميركية على بلادهم. يعتبر الشعب الايراني أن هذه العقوبات تستهدفه كشعب وليس كنظام حكم، لأنها فُرضت على القطاع المصرفي المسؤول الأول عن استيراد الأدوية التي لا تصنّعها إيران، وخصوصاً تلك الخاصة بمعالجة أمراض السرطان، اذ ظهرت نتائج هذه العقوبات سريعا، وبدأت هذه الأدوية تختفي من السوق، او يرتفع سعرها كثيرا.
الى ذلك، حاول الايرانيّون التعبير عن آرائهم بالحرب الاقتصادية عليهم فرأى فاراز مقدّم، أن “الكاذب الأكبر هو الرئيس الأميركي دونالد ترامب الذي اعتبر أن قطاع الأدوية معفى من العقوبات، لكن هذا غير صحيح فبمجرّد وضع العقوبات على المصارف تمّ منع إيران من استيرادها، ما يحرم الأطفال والنساء منها وخاصة أدوية السرطان”. أما عبد الرضا كاهاني فاعتبر أن “جرائم الحرب ليس فقط تلك المتعلقة باستخدام الأسلحة الممنوعة أو غاز الخردل، فجرائم الحرب هي منع الأدوية الكيميائية عن مرضى السرطان، إنها جريمة مروعة”.
وفي السياق عينه، تشير شهرزاد سعيدي أنها “مع فرض العقوبات الجديدة على إيران، أغلق المنفذ الأخير أمام الإيرانيين للحصول على أدوية السرطان، والعالم كله ينظر إلينا كيف نموت دون اتخاذ أي موقف حاسم في هذا الموضوع”.
وليس قطاع الأدوية، الوحيد الذي تأثر سلبا بالعقوبات الاميركيّة، اذ أن تراجع قيمة العملة الايرانيّة منذ فترة حتى اليوم تسبّب بالأذى لمواطنين كثر، ومنهم مرتضى هاشمي، الذي كشف أنه “في العام 2012 أثناء دراستي الدكتوراه، كنت أدّخر الأموال وكنت أتركهم بالريال الإيراني، لكن بعد الجولة الأولى من العقوبات، فقدتها وباتت لا تساوي شيئاً. اليوم، رغم حملي لشهادة الدكتوراه، وإضافة لعملي كأستاذ جامعي لساعات طويلة في الأسبوع، أعمل في فترة المساء نادلاً في أحد المطاعم”. وفي الإطار ذاته، لفت علي رضا كاشورزي النظر إلى أنه “لدي مشروعي الخاص وكان يعمل في هذا المشروع العديد من الإيرانيين، لكن بسبب أميركا وعقوباتها، هذه المؤسسة ستقفل وسيصبح العشرات عاطلين عن العمل”.
ليست المرة الأولى التي تواجه طهران مثل هذا التحدّي، فهي تعرضت سابقا للعقوبات على مدى عقود، ولم تخضع للشروط الأميركية، وفي كل مرّة يتم رفع حدّة العقوبات، يعبّر الشعب الإيراني عن صلابته اكثر، ولكن في عصرنا الحالي باتت الاموال عاملا مهما من عوامل البقاء، والعقوبات الأميركية تُفقد المال الإيراني قيمته، فهل يضغط هذا الأمر على الشعب الإيراني وبالتالي على حكومته؟.النشرة