شاهدنا بالامس مشهداً اجمعت الاطراف السياسية على الاشادة به وبمعانيه وما يحمله من تقارب ومظاهر تضمن نبذ الخلافات والحقد. المشهد المعنيّ استضافته بكركي وجمع رئيس القوات اللبنانية سمير جعجع برئيس تيار المردة سليمان فرنجية حيث اتفقا على طي صفحة الماضي الاليم. وعلى الرغم من اهمية الحدث وما يحمله، الا انه يستوجب التطرق اليه حالياً من زاوية اخرى، في ظل غرق الحكومة العتيدة بالمستنقع الذي اصطلح على تسميته “العقدة السنيّة”. وفي ظل خروج كل الاطراف المعنية للقول بأن المشكلة داخلية بحت ولا علاقة للخارج بها، وفي ظل كلام رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري عن انه “اب السنّة” في لبنان وفيما تعتبر دار الفتوى مرجعيتهم الدينية، فما المانع من ان تتحول هذه الدار الى ساحة مصالحة بين الحريري و”النواب الستة السنّة”، علماً ان الخلافات بينهم مقتصرة على السياسة ولا مواجهات دموية، وان الكلام عن انتحار وموت بقي محصوراً في الشق السياسي وهو ما يجعل اللقاء اكثر سهولة.
لا شك ان هناك ملاحظات كثيرة للسياسيين حول اداء رجال الدين ومواقفهم، ولكن هذا لا يمنع ان يبقوا الرمز الديني لطائفتهم في هذا البلد، وهذا ما كان عليه الحال مع البطريرك الماروني الذي شكّل غطاء دينياً للقيام بمصالحة بعد 40 عاماً من الخلاف الذي وصل الى حد بذل الدماء، وتمّ تخطي الموضوع وهو قد يؤسّس الى تقارب سياسي ربما. اما على الخط السنّي، فليس هناك ما يمنع من احقاق المصالحة بين الحريري والنواب المعنيين تحت مظلة مفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان، لاقامة جسر سياسي يؤدي الى حل العقدة الاخيرة التي تواجه الحكومة، فتنتظم الامور وتعود العجلة السياسية الى الدوران بشكل طبيعي، فتجرّ معها العجلة الاقتصاديّة والماليّة.
من البديهي ان تترافق هذه المصالحة مع تطمينات تعطى من كل من الطرفين، وهو امر غير مستحيل ومفهوم لدى الجميع، خصوصاً عند اي لقاء يهدف الى ردم هوة بين شخصين او اكثر، وقد توالت على لبنان في تاريخه القديم والحديث عشرات الاحداث المماثلة. هذه الطريقة هي الاسلم والاسرع لحل المشكلة الحكومية الحالية، ولكنها تتطلب توافر حقيقة فعلية الا تكون العقدة خارجية، وان يكون الجميع على استعداد حقاً لايجاد مخرج للازمة، وان يتكفّل كل طرف في تأمين الضمانات اللازمة لطمأنة الآخر، والاهم انه في هذه الحالة تبقى المشكلة السنّية داخل الطائفة ويتمّ حلها دون تدخل من خارجها فيكون المطبخ السنيّ قد اعدّ الحل على الصعيدين السياسي والديني بحيث ان الطباخين والمتكئين من اهل الطائفة نفسها.
اما العقبات التي قد تمنع حصولها، فقد تعود الى رغبة خارجية في ابقاء الاوضاع على حالها ضمن صراع نشأ خارج الحدود اللبنانية وعندها يجب انتظار حل دولي للمشكلة. ويمكن للعقبات ان تكون لدى الحريري والنواب الستة الذين سيعتبرون اي تفاهم بينهم بمثابة “هزيمة” لطرف معيّن علماً انها نظرة غير منطقية وغير صحيحة، لان المصالحات لا تتم على حساب احد بل بتنازلات من الجانبين المعنيّين. ومن الممكن ان تكون العقبات في اعتراض النواب الستة على شخص المفتي دريان واتهامه بأنه يساند الحريري، ولكن هذه الذريعة غير قويّة بدليل ان الجميع يتفق على مرجعية المفتي دريان الروحية، ودوره في هذا المجال سيقتصر على الغطاء الديني دون اي تدخل سياسي، وقد تشكل المناسبة ايضاً فرصة للتقارب بين من أُطلق عليهم تسمية “سنّة 8 آذار” ودار الفتوى ليُضرب عصفوران بحجر واحد.
فهل تكون دار الفتوى عنصر حل المشكلة الحكوميّة؟.النشرة