صحيفة “القدس العربي”
قد يشير المنطق البسيط إلى غياب الحدّ الأدنى من المنطق خلف العملية الإسرائيلية الأخيرة، التي استهدفت إحدى مجموعات «كتائب القسام»، الذراع العسكرية لحركة المقاومة الإسلامية (حماس)، شرق مدينة خان يونس، وأسفرت عن استشهاد سبعة مقاومين فلسطينيين. فمن جهة أولى تنخرط دولة الاحتلال الإسرائيلي في مفاوضات غير مباشرة مع حماس، بوساطة مصرية، للتوصل إلى اتفاقية تهدئة يعتمد عليها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو كثيراً في تحسين صورته الدبلوماسية، داخلياً ودولياً. وبالتالي فإن موافقته على تنفيذ عملية معقدة من هذا النوع لمجرد اغتيال قيادي في «القسام»، متوسط المرتبة، لا تبدو مبررة بما يكفي من حيث السياقات السياسية والأمنية، وكذلك التوقيت.
ومن جهة أخرى لا يبدو منطقياً أيضاً التفسير الذي سارع إلى تقديمه الجنرال الإسرائيلي تل روسو، القائد السابق لما يُسمى بالقيادة العسكرية للمنطقة الجنوبية والمختص بالعمليات الخاصة، الذي نفى أن يكون اغتيال القيادي الحمساوي نور الدين بركة هو هدف العملية الإسرائيلية. فإذا صح ما ذكره من أنها تدخل في إطار عمليات روتينية يقوم جيش الاحتلال بتنفيذها «كل يوم، كل ليلة» في أمكنة متفرقة من قطاع غزة، فكيف يصحّ أنها انكشفت بهذه الطريقة المثيرة، ونجح رجال «القسام» في التعامل معها وإفشالها، وتمكنوا من قتل ضابط إسرائيلي كبير برتبة مقدم؟ وكيف يصح هذا مع ما ذكره رئيس أركان جيش الاحتلال، غادي أيزنكوت، من أن الوحدة الإسرائيلية الخاصة نفذت «عملية ذات أهمية كبيرة لأمن إسرائيل»؟
الأرجح إذن، حسب المنطق القويم الذي يستند على العقيدة العسكرية التي تعتمدها دولة الاحتلال في فلسطين عموماً وفي القطاع خصوصاً، أن أغراض العملية كانت بالفعل تتضمن اغتيال قيادي حمساوي ما، يتولى إدارة شبكة الأنفاق مثلاً، ولكنها تستهدف سلسلة أغراض أخرى أكثر جاذبية في ناظر الشارع الإسرائيلي، مثل محاولة الوصول إلى معلومات ثمينة حول الأسرى الإسرائيليين لدى حماس، أو حتى تنفيذ عملية من نوع ما لإنقاذهم. صحيح أنّ المديح الذي أغدقه نتنياهو على المقدّم الإسرائيلي القتيل يندرج في المعتاد من البلاغة والدعاية، إلا أنّ الإشارة إلى «خدمة عظيمة» قدّمتها العملية إلى إسرائيل وسوف يحين ذات يوم وقت الإفصاح عنها، كانت تنطوي على مغزى خاص.
الأرجح، تالياً، أن مفهوم التهدئة الذي تسعى إليه دولة الاحتلال في المفاوضات غير المباشرة مع «حماس» إنما يقتصر على وقف اعتصامات العودة عند الشريط الفاصل، ثم لجم السلاح الصاروخي للمقاومة، مع إبقاء أذرع جيش الاحتلال حرة طليقة في التوغل داخل الأراضي الفلسطينية متى شاءت، وتنفيذ عمليات التخريب الخاصة، وممارسة الاغتيالات الفردية والجماعية دون مانع أو رادع. كل هذا وسط تراشق الاتهامات بين أطراف اليمين الإسرائيلي، متمثلاً في وزير الدفاع أفيغدور ليبرمان زعيم «إسرائيل بيتنا» وخصمه وزير التربية نفتالي بينيت زعيم «البيت اليهودي»، حول التقصير العسكري الإسرائيلي في غزة.
وأياً كانت ملابسات العملية الإسرائيلية في خان يونس، فالثابت أن أسبابها تعددت وبقي الفشل واحداً.