الحريري يخسر فرصة توحيد “السنّة” حول زعامته

لا أحد ينازع رئيس ​الحكومة​ المكلف ​سعد الحريري​ بأنه الرقم واحد على الساحة السنيّة، فنتائج الإنتخابات النيابيّة الأخيرة واضحة، وتيار “المستقبل” نجح بالفوز بـ17 مقعداً نيابياً من أصل 27 مخصصاً للطائفة، لكن في المقابل هناك 10 مقاعد فازت بها قوى وشخصيّات معارضة له، تتراوح شدّة معارضتها بين شخصيّة وأخرى، بحسب موقفها من القضايا الإقليميّة.

في السابق، كان تيّار “المستقبل” يُصر على إحتكار التمثيل السنّي، الأمر نفسه الذي سعى إليه رئيس الحكومة المكلّف خلال مشاورات تأليف الحكومة المقبلة، بالرغم من المبادرة التي قام بها معارضوه عبر الذهاب إلى تسميته في إستشارات التكليف، حيث تجاهل تمثيل “اللقاء التشاوري” الذي يضم 6 نواب، ولم يبادر إلى ملاقاة رئيس الحكومة السابق ​نجيب ميقاتي​ في منتصف الطريق.

من وجهة نظر مصادر سياسيّة مطّلعة، كان الحريري قادراً على جمع مختلف القوى والشخصيات السنيّة حوله، عبر تقديم بعض التنازلات الممكنة، وهو الأمر الذي يحتاج إليه بقوة، في ظلّ الصراع القائم على الحصص على المستوى الوطني، بدل دفعها للعودة إلى حضن خصومه السياسيين، على قاعدة أنّه يريد أن يكون موقف الطائفة موحداً في ظل التحولاّت القائمة على مستوى المنطقة.

بالإضافة إلى ذلك، كان رئيس الحكومة المكلف قادراً على منع أي تدخل خارجي في تمثيل الطائفة حكومياً، مثل إصرار “​حزب الله​” و”​حركة أمل​” على تمثيل حلفائهما، أو نجاح رئيس الجمهورية العماد ​ميشال عون​ بالظهور في موقع الحريص على تمثيل مختلف المكونات السنيّة أكثر من زعيم السنّة الأول، وتقديم التنازل بنفسه، الذي يخسره مقعداً وزارياً لكنه يربحه إجماعاً شبه كامل على زعامته، ما ينهي التهديد بوجود بديل عنه في حال الخلاف معه في المرحلة المقبلة.

بالنسبة إلى هذه المصادر، نتائج المبادرة نحو القوى والشخصيات السنية المعارضة كانت ستبدو أكبر من السعي إلى عزلها أو تجاوز تمثيلها الشعبي، على عكس ما يظنّ الحريري، نظراً إلى أن النجاح في تمثيلها، عبر دعم حلفائها، يعني توجيه هزيمة له من البيت الداخلي كان في غنى عنها، لأنه سيدفعها للذهاب بعيداً في معارضتها له، بدل الوقوف إلى جانبه في اللحظات المصيريّة.

وفي حين ترى المصادر السياسيّة المطّلعة موقف رئيس الحكومة المكلّف من اللقاء التشاوري مبرراً بعض الشيء، على قاعدة أنه يمثّل الشخصيّات التي تدور في فلك قوى الثامن من آذار، تستغرب تجاهل المبادرات التي قام بها ميقاتي طوال الفترة السابقة، لا سيما بعد أن تحول الخلاف على الحصص إلى صراع على صلاحيات رئيس الحكومة، بالرغم من أنّه يملك كتلة نيابيّة تضم 4 نواب، وهو كان الفائز الأول في ​مدينة طرابلس​، خلال الإنتخابات النيابيّة الأخيرة، حيث نجح في حصد 4 مقاعد من المقاعد المخصصة لها: سني، علوي، ماروني، روم أرثوذكس.

في هذا الإطار، ترى هذه المصادر أنّ الذهاب إلى التحالف مع ميقاتي كان من الممكن أن يرد السهام التي توجه إلى الحريري، لا سيما تلك المتعلّقة بتمثيل شخصيّات هي في الموقع المعارض له بشكل كامل، ويؤمّن له الحصانة على الساحة السنيّة من جهة ثانية، وتشير إلى أنّ أحداً، على الأرجح، لم يكن ليُطالب بتمثيل اللقاء التشاوري، فيما لو ذهب رئيس الحكومة المكلّف إلى تمثيل كتلة ميقاتي بوزير سنيّ، على قاعدة تمثيل النواب السنّة الذين لا ينتمون إلى كتلة “المستقبل”، بالرغم من أنّ هؤلاء يعتبرون تمثيلهم منفصلا عن تمثيل “الوسط الوطني”.

في المحصّلة، تعتبر المصادر نفسها أن رئيس الحكومة المكلّف لم ينجح في إدارة اللعبة على الساحة السنيّة، حيث خسر إمكانيّة توحيدها حوله أولاً، وخسر التحالف مع شخصيّة لها وزنها على الساحة الطرابلسيّة ثانياً، في حين هو قد يكون في أمسّ الحاجة إلى الاثنين معاً في المرحلة المقبلة، بدل تقديمهما أوراق قوّة إلى خصومه في مواجهتهالنشرة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *