ورطة إسرائيل في غزة

إلى قائمة العوائق التي لا تنتهي في الطريق إلى التسوية التي تمنع حربًا في غزة، أضيف في نهاية الأسبوع الجهاد الإسلامي أيضًا، وهو التنظيم القديم الذي اختار منذ وقت غير بعيد زعيمًا جديدًا، ومصممًا على أن يضع نفسه ـ والإيرانيين ـ على الخارطة.
زياد النخالة، الأمين العام الجديد للتنظيم، الذي انتخب في أعقاب الغيبوبة التي وقع فيها رمضان شلح، ليس وجهًا جديدًا، وعمليًا هو وجه قديم جدًا. ابن 65، دخل إلى السجن الإسرائيلي لأول مرة في عام 1971، ومن خلفه حياة كاملة من الكفاح العسكري ضد إسرائيل. من إقامة قوة القدس، الذراع العسكري للجهاد، وحتى تعليم العبرية لضباط استخبارات حزب الله. لقد كان النخالة مرشح الإيرانيين للمنصب، وبصفته هذه، فإنه لم يبقِ لمنافسيه الكثير من الأمل: الجهاد الإسلامي هو تنظيم إيراني مثلما هو تنظيم فلسطيني. يعيش النخالة على محور بيروت ـ دمشق، ومن هناك تبدو مشاكل سكان غزة أقل إلحاحًا من مصالح الحرس الثوري. إذا ما أدخل مرة أخرى إلى قائمة أهداف التصفية الإسرائيلية، فهذه لن تكون المرة الأولى.
يحرص النخالة على صيانة علاقات طيبة أيضا مع نظرائه في باقي المنظمات الفلسطينية بما فيها حماس، حيث على ما يبدو لا يستطيبون الاستقلالية الزائدة التي اتخذها لنفسه حين قرر إطلاق عشرات الصواريخ نحو بلدات الغلاف، بالذات حين بدأ سكان غزة يستمتعون بالإنجاز الهام الأول لاتصالات التسوية: دخول السولار القطري الذي يسمح بكهرباء لثماني ساعات في اليوم بدلامن أربع (يجدر بالمناسبة التوقف هنا وتخيل العيش مع أربع ساعات كهرباء في اليوم حين يكون كل عمل محسوب، وثمة عائلات كبيرة ينبغي إطعامها كي نفهم عمق اليأس في غزة).
لم يعمل النخالة بناء على رأيه الشخصي: فالادعاء بأن الجهاد الإسلامي يحاول تشويش مساعي التسوية بأمر إيراني ليس أحبولة إعلامية. فللإيرانيين مصلحة في إبقاء إسرائيل محاذية للجدار في غزة، وإشغال القيادة السياسية والأمنية فيها بجولات عنف عديمة الجدوى في القطاع، بدلامن توجيه الاهتمام والطاقة للتموضع العسكري الإيراني في سوريا. طالما كانوا يقدرون بأن فرص المصريين لإيصال مساعي التسوية إلى خط النهاية كانت ضعيفة، فقد سمحوا لها بأن تكون. ولكن عندما بدأ شيء ما يتحرك بين إسرائيل وحماس، استخدموا الجهاد الإسلامي.

إذا كان المصريون يجدون صعوبة في توفير البضاعة للقطاع فيجب أن نجد وسيطا آخر

لا حاجة لأن يكون المرء عبقريًا استراتيجيًا كي يقدر بأن هذا ليس الحدث الأخير. صحيح أن حماس أخذت مهلة من البالونات، ربما مقابل إدخال السولار، ولكن للأيام القريبة القادمة لا تزال هناك إمكانية تفجر ذات مغزى: فأبو مازن يرفض تخفيف الحدة رغم كل الضغوط عليه، ويسعى إلى تقليص المزيد من الميزانية التي يحولها إلى غزة. يقول المنطق الفلسطيني إن قرارات كهذه يصعب جدًا اتخاذها عندما تكون غزة في وضع قتال مع إسرائيل. أما حماس من جهتها فمصممة على مواصلة مسيرات العودة، والآن دخلت إلى المنافسة أيضًا مع الجهاد على من يكون كفاحًا أكثر.
تبدو الورطة في غزة معقدة لدرجة لا يمكن حلها، ولكن على الحكومة والجيش واجب محاولة إعطاء أجوبة لها، بدلامن التدحرج من الجمعة إلى الجمعة. إذا كنا نريد السعي إلى التسوية، فيجب تسريع السياقات. وإذا كان المصريون يجدون صعوبة في توفير البضاعة، فيجب أن نجد وسيطًا إضافيًا آخر في أقرب وقت ممكن. وإذا كان التقدير هو أن أبو مازن، بتجويعه لغزة من شأنه أن يورطنا في حرب، بخلاف مصالحنا الواسعة، فيجب أن نجد طريقًا التفافيًا على أبو مازن.
ومن الجهة الأخرى، فإن حقيقة أن حماس تأتي أسبوعًا إثر أسبوع بنحو 15 ألف شخص إلى الجدار، تبين أن شيئًا ما في الردع هناك لا ينجح. لقد دفع الجهاد الإسلامي ثمنًا أدنى على ليل السبت الطويل من النار على مواطني إسرائيل. لا يوجد ما يدعونا إلى التفكير بانه لن يحاول هذا مرة أخرى.
يحتمل أن نكون نقترب من اللحظة التي يرغب فيها الإيرانيون في جني مردود الاستثمار المالي طويل السنين الذي بذلوه في الأذرع العسكرية لحماس والجهاد. في هذه اللحظة، المبادرة عندهم.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *