اغتيال جمال خاشقجي مُصيبة لـ’اسرائيل’

السفير الأميركي السابق في الأراضي المحتلة دان شابيرو – صحيفة “هآرتس”

ليس بالإمكان التعامل مع القسوة الصادمة لخطف جمال خاشقجي وقتله بأيدي قوات الأمن السعودية كأمر اعتيادي والمواصلة قدمًا. التداعيات أكثر عمقًا من التراجيديا الشخصية لعائلة وخطيبة خاشقجي. هذا العمل طرح أمام الولايات المتحدة و”اسرائيل” مسائل جوهرية فيما يتعلق برؤيتهما الاستراتيجية الشاملة في الشرق الأوسط.

المتهكمون يدعون أن الوقاحة التي ظهرت في قتل الخاشقجي هي من النوع المميز للحكومات الاستبدادية العربية، ومن بينهم حلفاء للولايات المتحدة، لكنها هذه المرة أكثر وقاحة. لا أحد يقدم المعروف مجانًا في الشرق الأوسط، وتحالف الولايات المتحدة – السعودية صمد خلال عشرات السنين وتجاوز قمع الشعب السعودي على أيدي النظام.

قتل خاشقجي يشير الى أنه يجب عدم الثقة بالسعودية تحت سلطة محمد بن سلمان كشريكة استراتيجية. ما حدث في القنصلية السعودية في اسطنبول يذكر بكلمات استخدمت في السابق لوصف كيف أن نابليون قام بتصفية خصم: “هذا أسوأ من جريمة، هذا خطأ.. خطأ استراتيجي!

وليّ العهد السعودي سبق وأظهر عدم مسؤولية واندفاع في تحديد السياسة الخارجية السعودية. المعركة المبررة التي أدارها ضد “الحوثيين” في اليمن نفذت من خلال تجاهل مطلق للمعاناة الكبيرة التي أصابت المدنيين. إجبار رئيس حكومة لبنان سعد الحريري على الاستقالة انفجر في وجهه. الحصار الذي فرضته السعودية على قطر أزعج دول الخليج في التركيز على الهدف المشترك – كبح ايران – ولم يأتِ تقريبًا بأيّة فائدة. قطع العلاقة مع كندا بسبب تغريدة تمّ فيها توجيه انتقاد لأن السعودية اعتقلت نشطاء حقوق انسان، كان ردًا مبالغًا فيه.

الآن، وبتعليمات من ولي العهد، نفذ فعليًا قتل فظيع في وضح النهار تمامًا. السعودية كذبت على الرئيس الأمريكي دونالد ترامب خلال أيام، وما زالت تكذب. ربما لا يهمّ ترامب ذلك، ربما بسبب المستوى الأخلاقي المشكوك فيه لديه، وربما بسبب النشر الكبير الذي أعطاه لكل طلب للسلاح قُدّم من قبل السعودية، كمصدر لخلق فرص عمل.

محمد بن سلمان لم يأخذ في الحسبان أنه بتعليماته باغتيال خاشقجي اخترق كل الحدود المسموحة والمقبولة على الرأي العام الأمريكي والحزبين في الكونغرس. هكذا فإن النقد الصارم جدًا والمطالبة بردّ جاء من السيناتورين الجمهوريين ليندسي غراهام وماركو روبيو.

مرة أخرى يمكن التعامل مع هذا بصورة تهكمية. القمع السعودي ليس ظاهرة جديدة. وربما النظام السياسي الامريكي يمكنه التسليم به اذا بقي خارج مجال الرؤية.

الاحتجاج ربما لم يكن صارخًا كما كان يجب أن يكون في حالة سجن ناشطات حقوق الانسان في السعودية، الذي وقع في الفترة التي فيها سمح أخيرًا للنساء بالقيادة، لكن محمد بن سلمان ارتكب خطأ شديدًا في حساباته، لم يفهم أن اختطاف صحافي وتقطيع جثته، وهو مواطن أمريكي، والجريمة التي ارتكبها لم تكن أكثر من التعبير عن رأيه، هو ببساطة أكثر ممّا يستطيع الأمريكيون تحمله.

أمام هذا التصرف الوحشي لا يمكن توقّع أن العالم سيتصرف بشكل عادي، ربما الامر لا يهمّ ترامب، لكن هناك حدود للشعب الامريكي، وربما يُتوقع من حكومات صديقة معايير أعلى. هم يتوقعون أن الحلفاء على الأقل لا يورطون أمريكا في جرائم مقيتة.

أسباب ذلك قابلة للنقاش. التفاصيل الصادمة للقتل هي جزء من ذلك، لكن قتل خاشقجي يمسّ بتوجهات دولية اوسع من عدم الليبرالية وملاحقة صحافيين يبحثون عن الحقيقة. حقيقة اعتقاد ابن سلمان بأنه يستطيع فعل ذلك دون تحمّل النتائج، دون أن يكون هناك مستشار أراد أو كان يستطيع وقف نزواته، تطرح اسئلة هامة فيما يتعلق باعتباراته وسيطرته.

بالنسبة لـ”اسرائيل” القضية الوسخة هذه ربما تدلّ على أنه لن يكون بالإمكان الاعتماد على مرساة الواقع الشرق أوسطي الجديد الذي أرادت تحقيقها: تحالف “اسرائيلي – سني” تحت مظلة أمريكية، تردع إيران و”الجهاديين السنة”.

اسرائيل يجب عليها الحذر في تخطيط خطواتها. ليس هناك شك أن الولايات المتحدة سترد على قتل خاشقجي حتى لو كانت ادارة ترامب ستعارض ذلك. الرد لن يؤدي الى تفكك كامل لتحالف الولايات المتحدة – السعودية، لكن الاشمئزاز الذي يشعر به الجمهور الامريكي والكونغرس سيجبي ثمنًا.

لـ”اسرائيل” مصلحة واضحة بأن تبقى السعودية حليفة للولايات المتحدة، بهدف الاستعداد الأفضل أمام إيران. سيتعيّن عليها الامتناع عن التحول الى لوبي لمحمد بن سلمان في واشنطن. تنسيق “اسرائيل” مع شركائها في المنطقة ما زال هامًا ومطلوبًا. هذا أمر يتعلق بالواقعية السياسية، ببساطة. ولكن يوجد خطر جديد للإضرار بالسمعة من العلاقة القريبة مع السعودية.

لن يكون من السهل على “اسرائيل” السير في مياه كهذه، في الوقت الذي انقسم فيه واضعو السياسة الخارجية في أمريكا الى معسكر مناهض لإيران ومعسكر مناهض للسعودية. يجب عدم السماح لجرائم محمد بن سلمان أن تؤدي الى تقليل الضغط الذي يُستخدم على إيران.

من ناحية “اسرائيل”، ولي العهد المُصاب بالاستحواذ لإسكات معارضيه قوّض فعليًا محاولة تشكيل إجماع دولي للضغط على إيران. الضرر كبير، ترامب ربما يكون استثناء، لكن أي عضو كونغرس، أيّ زعيم أوروبي سيوافق على أن يجلس ويبحث مع محمد بن سلمان في موضوع ايران؟ هذه هي البيّنة القاطعة على العمى الاستراتيجي لمحمد بن سلمان، والضرر سيتواصل طالما أنه يسيطر على المملكة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *