على إسرائيل الاعتذار عن النكبة

في مقال رده على مقالي بشأن الدعم الأمريكي للأونروا يدعي عِدي شفارتس (هآرتس 26/9)، أنه في حين أن الحركة الصهيونية عرفت كيف تتنازل عن مبدأ كمال الأرض، وعن الأساطير القومية الرئيسة لها، فإن الفلسطينيين يواصلون التمسك، بتعصب، بتطبيق حق العودة داخل إسرائيل ولا يبدون أي استعداد للمرونة بما يتعلق بالأسطورة القومية الرئيسية لهم.
ولكن يبدو أن شفارتس نفسه يدرك أن الجزء الأول من ادعائه الذي يتناول التنازل الصهيوني، يرسم صورة وردية جداً للواقع، حيث يكتب: «إذا قرر الإسرائيليون عندما تحين الفرصة التنازل عن مناطق في يهودا والسامرة فإنهم يقومون بذلك… بسبب أنه في جدول أفضلياتهم ثمة سيادة وتوق لحياة تفوق السيادة الجغرافية على كل البلاد»، أي أن شفارتس يعترف بأن الإسرائيليين لم يتوصلوا بعد لحسم بشأن التنازل الجغرافي بين نهر الأردن والبحر الأبيض.
يجدر توضيح هذه النقطة، وسنكتفي لهذه الغاية بمثال محدد واحد. في كل جولات المفاوضات بين إسرائيل والفلسطينيين تعدّ مسألة إصبع أرئيل أحد نقاط الخلاف الرئيسة في المسألة الأساسية (حدود وجغرافيا)، نظراً لأن كتلة أرئيل، التي تمتد على حوالي 20 كم على الأراضي الفلسطينية وتقسم الدولة الفلسطينية المنتظرة إلى قسمين، لهذا فإن بقاءها تحت السيادة الإسرائيلية لن تمكن فعلياً من إقامة دولة فلسطينية ذات قدرة على الوجود.
علاوةً على ذلك، فإنه تحت أرئيل ثمة جزء أساسي للخزان الجوفي لمياه الجبل، ولهذا فإن ضمها إلى إسرائيل سيمنع تطبيق الحقوق الفلسطينية في مجال المياه. على ضوء كل هذا، من المفهوم ضمناً أن الفلسطينيين لم يستطيعوا بأي صورة الموافقة على بقاء كتلة الاستيطان هذه بأيدي إسرائيل.
ولكن، كما هو معروف من ناحية الإسرائيليين، فإن ضم أرئيل في كل اتفاق مستقبلي يعدّ أمرا (مجمعا عليه) في الوقت الذي تجسد فيه الخطوات الكولونيالية الأخيرة لحكومة المستوطنين في المنطقة، مثل تحويل كلية أرئيل إلى جامعة وتدشين كلية الطب بها، وبصورة بارزة، طموح إسرائيل بكل بوسعها لتخليد كل جزء من هذه المنطقة، التي وبدونها ما من احتمال لقيام دولة فلسطينية قادرة على العيش.
أي أن هذا الميل المتصالح لتقسيم البلاد الذي يتحدث عنه شفارتس، والذي له، حقاً، حضور متردد في الوعي الصهيوني منذ أن طرحت فكرة التقسيم من قبل فيكتور يعقوبسن منذ بداية الثلاثينيات من القرن الماضي، بات في أيامنا هذه في حالة تراجع واضح.
إذا كان الجزء الأول من ادعاء شفارتس، الذي موضوعه درجة التنازل الجغرافي للصهيونية ودولة إسرائيل، يخلق انطباعا من التفاؤل المبالغ به، فإن قسمه الثاني المتعلق بموقف الفلسطينيين بخصوص مسألة العودة يعكس موقفاً متشائماً جدا. وحسب رأي شفارتش، فإن الفلسطينيين لم يوضحوا في يوم من الأيام أن ليس في نيتهم إغراق إسرائيل بملايين اللاجئين. هذا ليس دقيقاً. بالعكس، في قيادة م.ت.ف والسلطة الفلسطينية يفهمون ويدركون جيداً بأن التوق إلى تطبيق العودة لملايين الفلسطينيين إلى حدود إسرائيل ليس واقعياً.
هكذا، في 2004 تعهد ياسر عرفات بأن حل مشكلة اللاجئين لن يقود إلى تغيير «الطابع اليهودي لإسرائيل». بهذا فقد أكد على أقواله سنة 2002 في مقاله في «نيويورك تايمز» الذي كتب فيه أنه يجب التفكير في تنفيذ قرار الأمم المتحدة 194 بشأن حق العودة بصورة تأخذ بالاعتبار مخاوف إسرائيل.
شاؤول أريئيلي، الذي يبحث بصورة أساسية منذ سنوات عملية السلام الإسرائيلية الفلسطينية، يكتب في كتابه «حق التفكير» بأنه بعد التوقيع على اتفاقية أوسلو، أعلنت القيادة الفلسطينية بأنه إذا اعترفت إسرائيل بحق العودة وأظهرت ندمها على دورها في ديناميكية خلق مسألة اللاجئين، فإن الفلسطينيين يكونون مستعدين للاعتراف بالواقع الذي خُلق منذ ذلك الحين. الإسرائيليون من جانبهم يعتقدون أنه إذا لم يتم تطبيق حق العودة فعليا في المرحلة الأولى، فإن مجرد الاعتراف يحمل في طياته نهاية إسرائيل كدولة يهودية.
خلافات في الرأي بهذه الروحية تم التعبير عنها أيضا في عملية أنابوليس: في حين، وحسب ما يقول صائب عريقات أن الفلسطينيين طلبوا من بين أمور أخرى بأن تعترف إسرائيل بقرار 194 وتستوعب 150 ألف لاجئ خلال عشر سنوات وتتحمل مسؤولية أخلاقية وقانونية وتبدي أسفها كجزء أساسي، فإن إيهود أولمرت الذي لم يوافق على قبول قرار 194 كمصدر للصلاحيات، تحدث بصورة رسمية عن 15 ألف لاجئ على الأكثر سيسمح بدخولهم لإسرائيل خلال 5 سنوات، وأبدى استعداداً للاعتراف في أحسن الأحوال بمعاناة اللاجئين الفلسطينيين، بدون تحمل المسؤولية أو الاعتذار.
بالإمكان ألا نحب المطلب الفلسطيني بدخول 150 ألفًا لإسرائيل خلال 10 سنوات، ولكن من الواضح أن 150 ألفاً ليسوا ملايين اللاجئين. أي أن من يواصلون الادعاء بشدة أن القيادة الفلسطينية تسعى لإغراق إسرائيل بملايين أحفاد اللاجئين ـ ولهذا ليس لدينا شريك ـ يذرون الرمال في أعين الجمهور ويفضلون مواصلة شيطنة الموقف الفلسطيني.
علاوة على ذلك: في حين أنه بالإمكان فهم الصعوبة التي تجدها إسرائيل في أن تتبنى، وبصورة مباشرة، قرار 194، فإن أولمرت وجد السبل للتطرق إليه بصورة غير مباشرة بواسطة الاعتراف بروح المبادرة العربية، وعليه يجب الاعتراف بأنه وبدون عنصر الاعتذار الإسرائيلي عن النكبة، ليس هنالك إمكانية للتقدم لا في مسألة حق العودة ولا في عملية السلام بمجملها. طالما تواصل إسرائيل التنصل من مسؤوليتها عن تخريب المجتمع الفلسطيني في 1948، عن طريق عرض طردهم والاقتلاع القسري لمئات الآلاف من المواطنين غير المسلحين الذين لم يكن لهم دور في القتال ـ وهي عملية رافقها تفجير بيوت في جزء من الأماكن، ومحو قرى من على وجه الأرض، وأعمال نهب، والتي انتهت بالسرقة الرسمية للممتلكات الفلسطينية في إطار قانون أملاك الغائبين ـ كنوع من «المكافأة» المقبولة على رفض القيادة الفلسطينية تقاسم الوطن مع مستوطنين جاؤوا منذ فترة قريبة، يصعب تخيل كيف بالإمكان التوصل إلى مصالحة حقيقية مع الشعب الفلسطيني.
بالمقابل، عندما يستجمع اليهود الإسرائيليون قوّتهم ليطلبوا السماح من الشعب الفلسطيني عن الدور الأساسي لأمتهم في التسبب بالكارثة الوطنية الفلسطينية، إذ إن هذا الأمر يسهم في زيادة الشرف الوطني لإسرائيل، فإن من شأنه أن يشجع القيادة الفلسطينية في تليين موقفها أكثر في مسألة حق العودة.

ديمتري شومسكي
هآرتس

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *