دخلت أزمة مقتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي، داخل قنصلية بلاده في اسطنبول، منعطفاً جديداً، بعد الإعتراف الرسمي من قبل الرياض بالحادثة، لا سيما أن أغلب دول العالم لم تقتنع بالرواية التي قدّمتها، في ظل عدم معرفة مصير جثّته حتى الآن.
في الأيام السابقة، كان الرهان السعودي على موقف الرئيس الأميركي دونالد ترامب، لكن الأخير اضطر، أمام الضغوط التي يتعرض لها في الولايات المتحدة، إلى الإعتراف بأن ثمة “أكاذيب” و”خداع” في رواية الرياض عن الحادثة، إلا أنّ الأهم يبقى، دون شك، في ما سيصدر عن السلطات التركية، لا سيما أن الجريمة حصلت على أراضيها، رغم أن القنصيلة تخضع للسيادة السعوديّة.
في هذا السياق، من المفترض أن يقدم الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، اليوم، تقريراً كاملاً عن الحادثة بحسب ما أعلن، من دون أن يكشف أي تفاصيل إضافية حول حقيقة ما حصل مع خاشقجي، لكن السؤال يبقى عما إذا كان أردوغان سيعمد إلى إستغلال الحادثة أم أنه سيقدم طوق النجاة إلى ولي العهد السعودي، المتّهم الرئيسي بالوقوف وراء العملية رغم محاولة الرياض التسويق بأنه لم يكن على علم بها.
في السنوات السابقة، شهدت العلاقات بين أنقرة والرياض الكثير من الأخذ والرد، خصوصاً أنها تتعلق بالمنافسة على زعامة العالم الإسلامي السنّي، مع العلم أن الدور التركي كان قد شهد نمواً كبيراً مع إنطلاق أحداث الربيع العربي في العام 2011، مدعوماً من قبل الإدارة الأميركية السابقة برئاسة باراك أوباما، إلا أن السعودية نجحت في إستعادة زمام المبادرة مع وصول دونالد ترامب إلى رئاسة الولايات المتحدة، خصوصاً بعد الإنقلاب العسكري في مصر الذي أطاح بالرئيس السابق محمد مرسي.
منذ ذلك الوقت، تشهد العديد من الساحات العربية، من ليبيا إلى مصر وتونس وسوريا وغيرها من البلدان، منافسة شرسة بين محورين: التركي-القطري (الذي يدعم حركة “الإخوان المسلمين”) والسعودي-الإماراتي، في حين كانت الأزمة القطريّة بمثابة القشّة التي قصمت ظهر البعير، من دون تجاهل الإتهامات التي توجهها أنقرة، بطريقة غير مباشرة، إلى محمد بن سلمان وولي العهد الإماراتي محمد بن زايد، بدعم الإنقلاب العسكري الفاشل الذي كانت قد شهدته تركيا في شهر تمّوز من العام 2016، ولا الدعم الذي تقدمه الرياض وأبو ظبي إلى “قوّات سوريا الديمقراطية”، التي تعتبر أنقرة أنها تمثل تهديداً لأمنها القومي.
على هذا الصعيد، ينبغي العودة إلى ما كان قد أعلنه أردوغان، في الأيام السابقة، أن تركيا هي الدولة المؤهّلة لقيادة العالم الإسلامي بإرثها التاريخي وموقعها الجغرافي وثرائها الثقافي، وهو رسالة إلى السعوديّة بالدرجة الأولى، قبل أن تكون إلى الجمهورية الإسلاميّة في إيران، نظراً إلى أنها تحتضن المقدّسات الإسلاميّة، وهنا يكون من المنطقي السؤال عما إذا كان الرئيس التركي سيعمد إلى إستغلال حادثة خاشقجي للإنتقام من محمد بن سلمان، الذي يواجه أزمة غير مسبوقة نتيجة الدعوات إلى تنحيته عن منصبه، أم سيقدّم طوق النجاة له، في إطار تسوية ما تقود إلى إعترافه بالدور التركي في المنطقة، لن تكون الإدارة الأميركية، خصوصاً الرئيس ترامب، بعيدة عنها.
في الساعات القليلة المقبلة، ستتضح الصورة التي ستذهب إليها الأزمة، بعد الموقف الذي سيعلنه أردوغان، لكن الأكيد أن هذه الحادثة ستكون مفصليّة في حياة وليّ العهد السعودي السياسيّة على الأقلّ، بحال لم تكن مصيريّة بالنسبة إلى دور المملكة على المستوى الإقليمي.النشرة