فيما يواجه لبنان تحديات سياسية كبرى، في تشكيل الحكومة العتيدة بعد مراوحة طويلة، ووضع خطة للنهوض بالاقتصاد، يتقدم الملفّ الفلسطيني في لبنان بعد انعقاد الجمعيّة العموميّة للأمم المتحدة في نيويورك، حيث ألقى الرئيس الفلسطيني محمود عباس خطابا انقسم الشارع الفلسطيني إزاءه بين مؤيد ومعارض، فدخلت المخيّمات مجددا في مرحلة “انتظار قاتل” بين المخاوف من عودة الخلافات مجددا، رغم التوافق على أهمية حمايتها من أي توتير أمني، يفتح الابواب الموصدة على الفتنة والاقتتال، وبين غياب الخطة الاستراتيجية الموحّدة لمواجهة التحديات المحدقة بقضية العودة ووكالة “الاونروا”.
وتؤكد أوساط فلسطينية بارزة لـ”النشرة”، ان أي توتير أمني يطال المخيمات يعتبر بشكل غير مباشر وجها سيئا جديدا لـ”صفقة القرن” الاميركية التي ترفضها كل القوى السياسية الوطنية والاسلامية وتعمل على التصدي لها، إذ يهدف الى إلهاء القوى في تطويق ذيوله دون التفرغ الى القضيّة الاساس الكبرى في حماية حق العودة الذي بات مستهدفا مباشرا بعد القرار الاميركي بشأن القدس ونقل السفارة اليها.
حتى الآن، اتخذت الولايات المتحدة الاميركية تسع قرارات متتالية منذ بداية العام 2018، ويتوقع أن تتخذ المزيد منها، بل وأخطرها إسقاط حق اللجوء بالوراثة، وهو ما اشار اليه الرئيس “أبو مازن” في خطابه في الامم المتحدة، بأن الادارة الاميركية تعتزم الاعتراف بنحو 40 الف لاجئ فقط، هم الذين ما زالوا على قيد الحياة من جيل النكبة وليس 5 ملايين كما هو متعارف عليه في قيود وكالة “الاونروا” والاحصاءات الفلسطينية الرسمية.
وترى المصادر الفلسطينية، ان كل الخطوات الاميركية لم تأتِ من فراغ، فهي مترابطة في سلسلة حلقاتها، منذ الاولى منها وهي الاعتراف بالقدس عاصمة لـ”اسرائيل”، وصولا الى إسقاط “صفة اللجوء” عن غالبية اللاجئين في الشتات، وما بينهما من قرارات اتخذت بهدف ممارسة الضغط على القيادة الفلسطينية والقوى السياسية لشطب الثابتين الرئيسيين: القدس عاصمة دولة فلسطين، وحق العودة من خلال انهاء عمل الاونروا” وفتح باب “التذويب الطوعي” عبر “اللجوء الانساني” أو فرض التوطين.
خطة موحدة
ويعتبر لاجئو المخيمات في لبنان الاكثر تأثّرا بهذه القرارات الاميركية في ظل الواقع الهشّ على كافة المستويات السياسية والامنية والخدماتية، في الاولى يطلّ شبح الخلاف مجددا بعد الخطاب الرئاسي، وفي الثانية يترنح بعضها تحت وطأة “الامن الهش” وتحديدا عين الحلوة والقابل للاهتزاز عند أي حدث طارىء او اشكال، وفي الثالثة في ظل حرمانهم من حقوقهم المدنية والانسانيّة والاجتماعيّة مع ارتفاع معدل البطالة وانتشار حالات اليأس والاحباط بشكل غير مسبوق.
وتشير المصادر، انه لكل هذه الاسباب، يجب وضع خطة مواجهة مزدوجة، فلسطينية تأخذ على عاتقها تناسي الخلافات السياسية والتأكيد على استثنائية الساحة في لبنان، وتفعيل الأطر المشتركة وتحصين أمن واستقرار المخيّمات بما يسدّ كل منافذ الفتنة والاستدراج الى اقتتال، وصولا الى اطلاق “مبادرة” جديدة تجمع بين هذه العناوين، وفلسطينية–لبنانية تقوم على ثنائية منح الحقوق الانسانية وتعزيز صمود ابناء المخيمات لابعاد شبح التوطين الذي يلوح في أفق لبنان من خلال الضغط على مسؤوليه.
سيناريو دولي
وفق ما يتداول في الأروقة الفلسطينية، فإن توحيد الموقف الفلسطيني–اللبناني، سيساهم ببدء تحركات سلميّة نحو الدول الفاعلة والمؤثرة في القرار العالمي لابعاد شبح التوطين وتمكين وكالة الاونروا من القيام بمهامها على أكمل وجه، حيث تملك بعض القوى الفلسطينية معلومات هامة أشبه بـ”سيناريو دولي”، بل “خارطة طريق” لشطب حق العودة والتوطين بعد التذويب، ومنها انهاء عمل الوكالة المذكورة عبر وقف دعمها ماديا، ومنها عزم بعض الدول على فتح باب اللجوء الانساني ويتردد اسماء ثلاثة دول بارزة، ومنها اعادة الاف من الفلسطينيين الى اراضي السلطة الفلسطينية تحت عنوان “لمّ الشمل” ومعظم هؤلاء يملكون جوازات سفر صادرة عن السلطة او لهم اقارب او انتماء سياسي، واخيرا فرض التوطين لمن يبقى في لبنان تحت شعار “انساني”، مقابل مبالغ ماليّة كبيرة تدفع للبنان وتسد العجز وتساهم في النهوض الاقتصادي من جديد… وهو ما يرفضه لبنان والقوى الفلسطينية معا.
حراك للمواجهة
وتؤكد المصادر، أن المطلوب اليوم اطلاق “مبادرة وطنية” جديدة تتماشى مع التطورات السياسية والامنية المتسارعة في المنطقة (كما جرى في العام 2014، حين أطلقت “المبادرة الوطنية الفلسطينية” لحماية المخيمات الفلسطينية والحفاظ على العلاقات الاخوية مع الجوار اللبناني وقد نجحت في تجاوز الكثير من القطوعات الامنية الخطيرة إبّان الاحداث السورية)، تتضمن انشاء “خليّة ازمة” أو “طوارىء سياسيّة”، تدير الملفّ برمّته بموقف موحد، وبحراك سياسي شعبي يقوم على تناسي الخلافات وتعميم خطاب الوحدة من القيادة الى القاعدة، تحصين أمن المخيمات واستقرارها، الدفاع عن بقاء “الاونروا” كشاهد حيّ على النكبة واللجوء، تنظيم تحركات احتجاجيّة سلميّة ترفع شعار “نختلف مع الاونروا ولا نختلف عليها”، خاصة بعد نجاح ادارتها في توفير المزيد من الدعم المالي بلغ 118 مليون دولار وآخرها من دولة الكويت 40 مليون دولار اميركي، لينخفض العجز المالي من 186 مليون دولار الى 68 مليون دولار اميركي فقط وهو مبلغ زهيد قياسا على موازنات الدول.
خلاصة القول، ان القرارات الاميركية ليست قدرا محتوما يجب الاستسلام لها، بل يمكن المواجهة والتصدّي لها، اذا جرى توحيد الموقف الفلسطيني واعداد خطة مشتركة فلسطينية لبنانية تأخذ على عاتقها الدفاع عن الحقوق المشروعة، وان اضاعة الوقت لم يعد لصالح أحد، وقبل فوات الاوان في افراغ المخيّمات من سكانها وتحديدا شبابها، واسقاط عنوانها الوطني كرمز للقضية الفلسطينية وحق العودة.النشرة