من جديد، أطل وباء “الدفتيريا” برأسه في مدينة صنعاء اليمنية.
في مستشفى “السبعين للأمومة والطفولة” وسط صنعاء، بلغ عدد المصابين بالوباء 65 حالة، خلال أيام.
وسط صالة رقود المرضى، يقف نائب مدير قسم “الدفتيريا” في المستشفى، الطبيب ياسر السلطان، وهو يضع كمامة على أنفه.
قال السلطان إن “عشرة مصابين توفوا، وتحاول السلطات الصحية إنقاذ 55 آخرين”.
وأضاف أن “الأدوية واللقاحات الطبية المتعلقة بالوباء لم تلب الاحتياج المطلوب.. وبعض الأدوية متوفرة بنسبة قليلة، وهو ما يفاقم من انتشار جرثومة الوباء”.
وأوضح أن “المشكلة لا تتعلق بالوباء نفسه، بل بمضاعفاته التي تؤدي غالباً إلى الوفاة بعد أيام قليلة من الإصابة به، نظراً لقلة الأدوية واللقاحات”.
عبر جرثومة، تدعى “الوتدية الخناقية”، ينتقل مرض “الدفتيريا”، ويصيب بشكل أساسي الفم والعينين والأنف، وأحياناً الجلد، وتمتد فترة حضانة المرض من يومين إلى ستة أيام.
ويعاني اليمن أوضاعاً صحية متدهورة للغاية؛ جراء الحرب المستمرة منذ نحو أربعة أعوام بين القوات الحكومية والمسلحين الحوثيين، الذين يسيطرون على عدد من المحافظات.
إمكانيات ضعيفة
يتزامن انتشار “الدفتيريا” في اليمن مع تفشي وباء “الكوليرا”، منذ أواخر أبريل/ نيسان 2017.
وأسفرت الكوليرا عن وفاة أكثر من ألفين و200 شخص، فيما تجاوز عدد الحالات المشتبه في إصابتها بالمرض مليون حالة، وفق منظمة الصحة العالمية.
وتبقى الاستعدادات لمواجهة وباء “الدفتريا” ضعيفة بسبب الحرب، التي أدت إلى تفشي أوبئة وإغلاق مرافق صحية كثيرة، في واحدة من أفقر دول العالم.
في مستشفى “السبعين للأمومة والطفولة”، حث وزير الصحة والسكان بحكومة الحوثيين (غير معترف بها)، طه المتوكل، على إخلاء بعض الأقسام الطبية لاستيعاب المصابين.
هذا الإجراء جاء بعد أن وصل إلى المستشفى ستة أشخاص من أسرة واحدة أصيبوا بالوباء، وهم من منطقة حراز غرب صنعاء.
يتلقى المستشفى لقاحات طبية وأدوية خاصة بـ”الدفتيريا” من منظمة الصحة العالمية ومنظمات صحية أخرى.
و”لولا ذلك الدعم الصحي لشهد اليمن أسوأ مأساة صحية”، بحسب قول أحد الممرضين، طلب عدم نشر اسمه.
ضعف التشخيص
لضعف التشخيص الطبي الدقيق في اليمن، يظن العشرات من المرضى أن الأعراض الأولية لـ”الدفتيريا” هي أعراض حميّات وأمراض موسمية تحتاج فقط لمضادات حيوية.
تبدو على الطفل عازم محمد علامات التحسن، وهو يقول إنه أُصيب بالحمى وتهيج في العينين وصعوبة بالبلع.
ويضيف أنه حسب التشخيص الأولي تم إعطاؤه أدوية خاصة بالتهاب اللوزتين، لكن مع تفاقم الإصابة جرى نقله إلى مستشفى “السبعين”.
ويتابع: “اتضح أنني مصاب بالدفتيريا، وعلى الفور أعطوني الدواء، وقال لي الأطباء إنه من الضروري أن أخضع للعناية 25 يوماً”.
141 حالة وفاة
في أغسطس/ آب 2017 تم تشخيص أول حالة إصابة بـ”الدفتيريا”
ويقول المتحدث باسم وزارة الصحة في حكومة الحوثيين، يوسف الحاضري: “حتى اليوم سجلت الوزارة 2537 حالة، توفي منها 141”.
ويضيف الحاضري: “توفيت اليوم (أمس الأحد 21 أكتوبر/ تشرين أول) الطفلة خلود منصور الحوري (ثمانية أعوام) في عناية الأطفال بمستشفى السبعين”.
ويوضح أن “الوفاة حدثت بعد يومين من وصول خلود إلى المستشفى لتلقي العلاج، إثر تورم كبير في عنقها، وهي أهم علامات المرض، ويُطلق عليها bull neck”.
شائعات مُضرة
يعزو المسؤولون في القطاع الصحي انتشار “الدفتيريا” إلى عزوف السكان عن تناول اللقاحات المضادة.
هذا العزوف يعود إلى انتشار شائعات عن كون اللقاحات غير آمنة، وأن الغرب يستهدف أطفال اليمن بلقاحات تصيب بالعقم.
“أم غناء” لاحظت تغيرات طفيفة اعترت صحة طفلتها عقب تناول اللقاح.
وتقول الأم: “اللقاحات تسبب الشلل للأطفال.. طفلتي غناء ظلت ليومين لا تحرك ساقها”.
وتتابع: “لولا لطف الله لكانت أُصيبت بالشلل، وقرأت على الواتس أب (تطبيق المراسلة الفورية) أن اللقاحات يصنعونها من السموم”.
محاولات للطمأنة
إثر انتشار هذه الشائعات، نفت منظمة الصحة العالمية، التابعة للأمم المتحدة، وجود أي آثار خطيرة للقاح “الدفتيريا”.
وقالت المنظمة، مؤخراً، إن “اللقاح آمن جداً، وخضع لاختبار سلامة اللقاحات بشكل دقيق، ويتوافق مع أعلى المعايير عالمياً، وليس هناك أي دليل حول آثار جانبية خطيرة له”.
وزادت بأن “عشرات الملايين من الأطفال يتم تطعيمهم سنوياً حول العالم باستخدام هذا اللقاح”.
وأوضحت أنه “توجد آثار جانبية بسيطة جداً قد تواجه بعض الأطفال، مثل الحُمى الخفيفة أو الألم في مكان الحقن، نتيجة تفاعل اللقاح مع جسم الطفل، وهي تستمر يوم أو يومين فقط”.
كما دعا وزير الصحة، طه المتوكل، السكان إلى الاستجابة لحملات التحصين.
وقال المتوكل، في تصريح للصحفيين مؤخراً، إنه “لا علاج لهذه الأمراض إلا بالتحصين والتطعيم”.
وأضاف: “على المواطنين عدم الانصياع للإشاعات المغرضة عن كون اللقاحات غير آمنة.. ليس لها أي مضاعفات كما يروج البعض”.
وشدد على أهمية رفع نسبة التوعية بالتحصين، للحفاظ على صحة الأطفال، خاصة في هذه المرحلة التي يمر بها اليمن، جراء استمرار الحرب.
(الأناضول)