“نيويورك تايمز”: في كامب ديفيد فرض بيغن رؤيته بدون معارضة السادات وبقبول ضمني من أمريكا

كتب المؤرخ الإسرائيلي سيث أنزسكا، وصاحب كتاب عن “منع فلسطين: تاريخ سياسي من كامب ديفيد إلى أوسلو” الصادر حديثاً معلقاً على مسار العملية السلمية وكيف أجهضت إسرائيل جهود أمريكا وأوقفت حلم الدولة الفلسطينية.

وفي مقال نشرته صحيفة “نيويورك تايمز” قال فيه إن الإسرائيليين والمصريين احتفلوا بمرور أربعين عاماً على توقيع اتفاقية كامب ديفيد وهي التي قادت لأول سلام بين دولة عربية وإسرائيل.

واستعادت مصر عبر السلام سيناء التي خسرتها في حرب عام 1967 وحيدت إسرائيل قوة عسكرية قادمة من جنوب غرب وحصلت أيضاً على اعتراف مهم بوجودها في الشرق الأوسط. ويقول إن الأمريكيين سيشعرون بالاعتزاز بمرور هذه المناسبة وسيتذكرون الدور الذي لعبوه في توقيع المعاهدة التي تعتبر حتى الآن أهم إنجاز لرئاسة جيمي كارتر.

إلا أن المناسبة تظل بالنسبة للفلسطينيين تذكيراً مؤلماً بالخيبة السياسية مع أن المعاهدة كانت عبارة عن جهود حقيقية لمعالجة مصيرهم قادتها إدارة كارتر. لكن الرئيس الأمريكي قطع أوتار الطموحات الفلسطينية بالدولة وتركهم تحت احتلال إسرائيل في الضفة الغربية وغزة محرومين من حقوقهم الرئيسية وحرية الحركة.

ويشير الكاتب هنا إلى أن اكتشافاته الأخيرة في الأرشيف في القدس ولندن وفي أماكن أخرى من الولايات المتحدة تكشف عن أن الجهود التي قام بها مناحيم بيغن والرئيس المصري أنور السادات جاءت على حساب حق الفلسطينيين بتقرير مصيرهم.

وكان كامب ديفيد فرصة أدت إلى ما نراه اليوم من انسداد الأفق في الشرق الأوسط. ولم يكن هدف جيمي كارتر هو توقيع اتفاق بين إسرائيل ومصر بل وكان أول رئيس مصري يدعو وبشكل مفتوح إلى “وطن” فلسطيني. وبدأ في المراحل الأولى من إدارته بتطوير الملامح الأولى لخطة سلام شاملة بين إسرائيل وجيرانها تقوم على انسحاب إسرائيلي من الأراضي التي احتلت في عام 1967 والفصل في موضوع القدس ومعالجة حق العودة الفلسطيني للذين شردوا من بيوتهم عام 1948. وكانت هذه الملامح الأولى لما صار يطلق عليه “حل الدولتين”.

رؤية كارتر

في الوقت الذي كان فيه المحتوى الفلسطيني مرتبطاً بـ “وطن” للفلسطينيين مرتبط بالأردن على أكثر احتمال” إلا أن رؤية كارتر كانت أبعد حيث دعت لدولة بسيادة على الضفة الغربية وغزة .

وفي الوقت الذي كان فيه المحتوى الفلسطيني مرتبطاً بـ “وطن” للفلسطينيين مرتبط بالأردن على أكثر احتمال” إلا أن رؤية كارتر كانت أبعد حيث دعت لدولة بسيادة على الضفة الغربية وغزة . وبناء على هذا عارض كارتر التوسع الاستيطاني الإسرائيلي في المناطق التي ستقام عليها الدولة الفلسطينية ودعم محادثات مباشرة بين إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية التي كانت تتحول من المقاومة المسلحة للمحادثات الدبلوماسية. وأثار موقف كارتر غضب إسرائيل وعدد من الداعمين المتحمسين لها في الولايات المتحدة. ولقي نهجه دعماً من القادة العرب خاصة أنور السادات الذي كان مدافعاً قوياً بالنيابة عن الفلسطينيين وكان يريد استعادة أراضيه التي خسرت في حرب عام 1967 والتحول عن التحالف مع الاتحاد السوفييتي إلى الولايات المتحدة.

وفي الوقت الذي كان فيه السادات راغباً بدعم خطة كارتر الهادفة لإحياء مؤتمر سلام إقليمي إلا أن نفاد صبره بالخلافات العربية وأساليب إسرائيل التفاوضية دفعته إلى زيارة القدس عام 1977 في محاولة لإنعاش المحادثات. وبهذه الطريقة فقد انفصل عن بقية العالم العربي وفتح المجال، وبدون قصد لاتفاق سلام ثنائي.

وفي الوقت الذي كانت فيه فرصة لتحقيق تسوية إقليمية تنهي ثلاثة عقود من الحروب وتضع حداً لمشكلة اللاجئين فقد كان لدى مناحيم بيغن، رئيس الوزراء المتطرف خطة أخرى. وقام الزعيمان بالتوازي بعرقلة تقدم في السلام بناء على معالم الخطة الأمريكية.

فقد كانت مواقف بيغن المعارضة لقيام الدولة الفلسطينية معروفة وكذا آراؤه بشأن مركزية “يهودا والسامرة”، وهو الاسم التوراتي للضفة الغربية، للشعب اليهودي. فبعد انتخابه في أيار (مايو) 1977 ليصبح أول رئيس من الحزب اليميني المتطرف (الليكود) وأعلن أنه سيشجع عمليات الاستيطان “المدنية والريفية على أراضي الوطن”. وكانت سيناء موضوعاً آخر، فرغم أنها احتلت في عام 1967 وكانت مهمة من الناحية الاستراتيجية كحاجز إلا أنها لم تحمل الأهمية الدينية كتلك التي حملتها الضفة الغربية. وأعرب بيغن عن استعداده لسحب القوات الإسرائيلية من سيناء ولكنه أكد أن الانسحاب من الضفة الغربية وغزة كانتا جزءا من المفاوضات. ولكن إدارة كارتر كانت واضحة عندما زار بيغن واشنطن حيث قدمت له “مبادئ السلام” والتي قالت فيها: “فيما يتعلق بيهودا والسامرة وغزة فإن موقفنا هو عدم بقائهما تحت حكم او سيادة أجنبية” حسب الوثائق التي تم الكشف عنها.

آراء متضاربة

وكانت الحكومة الأمريكية تعتقد أنها قادرة على الجمع بين هذه الآراء المتضاربة، موقف الحكومة الإسرائيلية المعلن وما سينتج عن المفاوضات مع السادات في نهاية عام 1977 و1978. ولكنها لم تعول على الزعيم المصري كي يؤثر على المطالب الفلسطينية. وتقدم بيغن بأفكاره لمعالجة التباين هذا في الأفكار والتي جسدتها ورقته المكثفة “حكم محلي للعرب الفلسطينيين سكان يهودا، السامرة وقطاع غزة”. فبدلاً من حق تقرير جماعي فستظل إسرائيل تسيطر على المناطق التي احتلتها عام 1967 ولكنها وعدت بسلطة محلية للمسؤولين العرب المنتخبين واتخاذ قرارات تتعلق بالتعليم والتجارة والصحة والنقل. وقدم بيغن عرضه للحكم الذاتي عبر لغة تفضل ولكنها قامت على فكرة رفض حق تقرير المصير للفلسطينيين. إلا أن المحادثات التي أدارها كارتر مع كل من السادات وبيغن واستمرت 13 يوماً انتهت بتوقيع اتفاقية كامب ديفيد في 17 أيلول (سبتمبر) 1978. ورغم اشتمال الاتفاق على رغبة الأمريكيين بانسحاب إسرائيل من الضفة الغربية والقطاع ومذكرة حول البناء الاستيطاني إلا أن كامب ديفيد انتهت حسبما أراد بيغن وهو تحقيق سلام مع مصر فقط. وتكشف الوثائق التي كشف عنها حديثاً عن الكيفية التي فصل فيها بيغن بحنكة السياسي الموضوع الفلسطيني عن كل العملية بدون أي معارضة جوهرية من السادات وبفهم ضمني من كارتر بنتيجة ضئيلة. فقد استعمل الوفد الإسرائيلي لغة قانونية غامضة بشأن الموضوع الفلسطيني والمدى المحدود الذي سيتم من خلال تجميد الاستيطان. وتم حذف أي إشارة لحق تقرير المصير للفلسطينيين كما ورد في قرار 242 والذي دعا لانسحاب كامل من الأراضي التي احتلتها إسرائيل عام 1967. واعتبروا أن هذا القرار لا ينطبق على “كل جبهات النزاع” ولم يتم التراجع عن سيادة إسرائيل على القدس.

كانت البصمة الإسرائيلية واضحة في البيان الختامي حيث تم تأجيل كل القضايا المتعلقة بالفلسطينيين لاتفاقية منفصلة “إطار للسلام في الشرق الأوسط”.

وكانت البصمة الإسرائيلية واضحة في البيان الختامي حيث تم تأجيل كل القضايا المتعلقة بالفلسطينيين لاتفاقية منفصلة “إطار للسلام في الشرق الأوسط” ويقوم على خطة حكم ذاتي وترتيبات انتقالية للحكم الذاتي في الضفة وغزة ولكنها كانت غامضة بشأن السيطرة على المناطق أو الحكم السياسي. وهناك اتفاق ثانٍ وهو “إطار لاستكمال معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل” وفتحت المجال أمام توقيع معاهدة سلام مصرية – إسرائيلية بعد ستة أشهر. ويعلق الكاتب هنا أن البحث عن السلام مع مصر كان طريقة لتجنب أي سلام مع الفلسطينيين.

“مؤامرة مفتوحة”

وفي حينه اعتبر الكثيرون أن اتفاقية كامب ديفيد ستؤدي إلى تقوية سيطرة إسرائيل على الضفة الغربية وغزة وتحدثوا بقوة عن التنازلات التي قدمها السادات. فقد قاطع وزير الخارجية المصري محمد كامل حفلة التوقيع واستقال من منصبه بعد ذلك.

وأعلنت منظمة التحرير عن رفضها الكامل للمعاهدة بعد توقيعها واعتبرتها “مؤامرة مفتوحة” على الحقوق الفلسطينية. ووصف ياسر عرفات أفكار الحكم الذاتي أنها “ليست إلا إدارة المصارف الصحية”.

وبعد المصادقة على المعاهدة في عام 1979 بدأت “محادثات الحكم الذاتي” بين مصر وإسرائيل والولايات المتحدة. وتوقفت المحادثات مع حرب لبنان عام 1982 ولكنها ظلت أساساً لحكم ذاتي محدود. وكان هذا واضحاً مع ظهور السلطة الوطنية بعد اتفاقيات أوسلو عام 1993 فمن خلال شرط وجود السلطة الوطنية بناء على وظيفة محدودة وبدون سيادة مناطقية إلى جانب استمرار الاستيطان فقد تم القضاء على فكرة ولادة دولة فلسطينية ذات سيادة. ويشير الكاتب هنا لشعور كارتر بالخيبة والمرارة بعدما ضحى بالكثير من رأسماله السياسي في الشرق الأوسط وفشل جهوده على الجبهة الفلسطينية.

وفي لقائه الأخير مع السفير الإسرائيلي في واشنطن قال: “لا أستطيع رؤية كيف سيواصلون العمل كقوة احتلال ويحرمون الفلسطينيين من أبسط حقوقهم ولا أستطيع رؤية كيف سيستوعبون 3 ملايين عربي في إسرائيل بدون أن يتحول اليهود إلى أقلية في بلدهم”. و “قد أظهر بيغن شجاعة بالتخلي عن سيناء ولكنه فعل هذا لكي يحافظ على الضفة الغربية”.

وبعد أربعة عقود تعبر كلمات كارتر عن بصيرة. فحلم تقرير المصير الفلسطيني لم يتم بعد. فبتعبيد الطريق أمام السلطة الوطنية قام كامب ديفيد بمساعدة إسرائيل على الانتصار وتقوية رؤيتها حول سلطة وطنية بسيادة منقوصة تساعدها على إدارة الاحتلال.

وبدون دولة فلسطينية مستقلة في الضفة وغزة والقدس الشرقية يواجه الفلسطينيون جهوداً جديدة من القادة الإسرائيليين لتقويض فرصة سيادة حقيقية لهم. فرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يتحدث عن “دولة ناقصة” وتحدث وزير التعليم المؤثر نفتالي بينت عن “حكم ذاتي يعتمد على المهدئ” ويحدد الحكم الذاتي بالإشراف على “المياه والمجاري والكهرباء والبنى التحتية وغير ذلك”. وصدى بيغن واضح ولكن في هذه المرة بدعم أمريكي واضح. وبدلاً من الاحتفال بالاتفاق المهم بين مصر وإسرائيل “فربما نفكر بميراث كامب ديفيد المثير للقلق: خطوة مهمة لتأبيد حرمان الفلسطينيين من الدولة”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *