فرض توطين الوظائف يزيد احباطات رجال الأعمال في السعودية

يقوم مئات المفتشين في وزارة العمل السعودية منذ الثلاثاء الماضي (الأول من شهر محرم 1440 هجرية) بجولات ميدانية على منافذ البيع في مختلف مدن السعودية لمتابعة القرار الوزاري المتعلق بقصر العمل في مجموعة من النشاطات والمهام على السعوديين والسعوديات.

وتقوم الفرق باتخاذ الإجراءات والعقوبات وفرض الغرامات على المخالفين للتعليمات في عملية توطين الوظائف.

وذكرت صحيفة “Saudi Gazette” السعودية في تقرير لها، أن كثيراً من المحلات أُغلقت في مناطق متفرقة من المملكة؛ نظراً إلى مخاوف أصحابها من التعرض لغرامات مالية من السلطات، التي بدأت حملات التفتيش لضمان تفعيل الإجراءات الجديدة. كما نشر موقع “اليمني اليوم” مقطع فيديو متداول ع مواقع التواصل الاجتماعي أظهر مجموعة من المحلات المغلقة في مدينة جدة بالتزامن مع دخول قرار السعودة حيز التنفيذ.

ويُعمل بهذه الإجراءات في قطاع العمل الخاص، في محاولة من السلطات السعودية للقضاء على مشكلة البطالة بالمملكة.

وتمثل عملية خلق فرص للسعوديين، أو ما يُعرف بـ”السعودة”، أولوية لدى ولي العهد محمد بن سلمان، ضمن رؤيته الاقتصادية التي تهدف إلى تنويع مصادر الدخل، وعدم الاعتماد على النفط، إلا أنه على الرغم من هذه الإجراءات لم تشهد المملكة تغييراً إيجابياً على نسب البطالة. وحسب آخر بيانات للهيئة العامة للإحصاء السعودية، ارتفع معدل بطالة السعوديين إلى 12.7 في المائة في الربع الأول من العام الجاري، مقارنة بـ12.3 في المائة نهاية العام الماضي، رغم أن المملكة رفعت منذ نحو 3 أعوام، من وتيرة توطين العديد من القطاعات الاقتصادية.

ومن المتوقع أن تدخل الإجراءات التقييدية في باقي القطاعات، التي طالها قرار السلطات بشكل تدريجي لاحقاً، لتنتهي هذه العملية في يناير 2019.

وكانت السعودية فرضت رسوماً على العمالة الوافدة؛ ما دفعها إلى مغادرة البلاد بأعداد كبيرة، ليفقد أكبر اقتصاد عربي بعض جاذبيته للمغتربين الذين كانوا يتدفقون على المملكة بأعداد كبيرة.

التغييرات جزء من خطة شاملة لوقف اعتماد المملكة على عائدات النفط ووضع مئات الآلاف من السعوديين العاطلين للعمل في القطاع الخاص. ولكن في حين أن بعض الاقتصاديين يرحبون بالإصلاحات، إلا أن أصحاب الأعمال يقولون إن التغييرات صعبة التنفيذ.

ففي تقرير أعدته الإذاعة الوطنية العامة (NPR) الأمريكية أعرب أصحاب العمل ورجال الأعمال عن امتعاضهم من القرار، ففي لقاء في أحد متاجر لبيع جميع الإلكترونيات في مركز تسوق للموبايل الشهير في الرياض يقول المالك، الذي يحمل اسم أبو سعود، إن لديه ثلاثة متاجر في هذا المركز التجاري، وكانت الأعمال جيدة، حتى أخبرته الحكومة تغيير عماله الأجانب المهرة في مجال الهواتف، والذين استعان بهم لسنوات من جنوب آسيا. لكن في ظل الإصلاحات الاقتصادية الجديدة، يطلب من محلات الاتصالات السلكية واللاسلكية توظيف العمال السعوديين فقط. ويقول أبو سعود إن الموظفين السعوديين الجدد لا يدومون طويلاً في متاجره رغم أنه حسب قوله “أعطيهم راتباً كبيراً جداً… لكن المشكلة هي أنهم لا يحبون العمل.” يحصل على الانطباع بأن السعوديين يفضلون العمل في مكتب حكومي. “كل واحد يحب أن يكون لديه طاولة، إنه رئيس. حتى لو كان خريجا جديدا، فهو يريد فقط أن يكون رئيسا” كما يقول.

يجب على أبو سعود جلب ولديه – طبيبين – للمساعدة في إدارة متاجره. وإذا كان يريد استخدام عامل أجنبي، عليه أن يدفع رسمًا للحكومة – من 80 إلى 107 دولارات شهريًا لكل موظف أجنبي. ومن المقرر أن تزيد هذه الرسوم خلال العامين المقبلين كجزء من الإصلاحات.

محاسب سعودي تحدث للإذاعة الأمريكية قال”خلال العام الماضي رأينا الكثير من الكيانات الصغيرة والمتوسطة تخرج من العمل لأنهم لا يستطيعون تحمل تكاليفها”. ويوافق على أن المملكة العربية السعودية بحاجة إلى إصلاح اقتصادها، لكنه يقول إن التغييرات يجب أن تتم بشكل أبطأ وحذر. “في مكتبي كل يوم، أحصل على لوائح جديدة إما من وزارة التجارة أو وزير المالية أو دائرة الضرائب. الجميع يغيرون لوائحهم الخاصة واللوائح الداخلية”، كما يقول.

يؤثر عدم الوضوح بشأن اللوائح على الاستثمار الأجنبي الذي تحاول الحكومة جذبه. يقول المحاسب الذي يتعامل مع العملاء الدوليين: “فكر في المستثمر الأجنبي الذي يقيم في الخارج ويجازف باستثماراته أو يخاطر بالاستثمار في بلد جديد”.

خلال فترة حكمه حتى وفاته عام 2015، أدرك العاهل السعودي الملك عبد الله إمكانية حدوث مشاكل اقتصادية وأدخل بعض الإصلاحات. لكن في عام 2016، أطلق ولي العهد الأمير محمد بن سلمان الآن رؤية 2030، وهي خطة شاملة لتنويع الاقتصاد وخلق المزيد من فرص العمل للقطاع الخاص للسعوديين.

يقول جون سفاكياناكيس، مدير الأبحاث الاقتصادية في مركز الخليج للأبحاث في الرياض: “هذا أمر مرحب به لأن النظام في المملكة العربية السعودية القديمة لم يكن قابلاً للحياة… كانت البلاد تنهار”.

يقول سفاكياناكيس “اليوم لديك ولي عهد صغير السن طموح يحتاج إلى دفع الظرف… لأن الطلب يتغير بالنسبة للنفط، والتكنولوجيا تتغير”.

ويضيف أن المملكة العربية السعودية بحاجة إلى أن تكون جزءاً من هذا التغيير، لأن البلد ليس لديه وقت كافٍ لإهداره.

وتعد البلاد أكبر مصدر للنفط في العالم، لكن تراجع أسعار النفط منذ عام 2014، والنمو السكاني السريع، أدى إلى زيادة ميزانية المملكة.

نادر محمد، مسؤول البنك الدولي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، يحث على الصبر في الوقت الذي تحاول فيه الحكومة السعودية تقليل اعتمادها على النفط الخام.

يقول: “إذا كان 90٪ من إجمالي ناتجك المحلي، 80٪ من صادراتك، 60٪ من عائداتك المالية تأتي من مصدر واحد، فسيأخذك عقدًا أو أكثر لتحقيق تحول كبير”.

على مدى عقود، ساعد النفط العائلة المالكة السعودية على الحفاظ على توافق مع السكان: يتم الاهتمام بالمواطنين بتوفير الرعاية الصحية المجانية والتعليم حتى التعليم الجامعي، وتوفير المرافق الرخيصة والبنزين، وغالباً ما يتم توفير وظيفة حكومية، وحتى وقت قريب، لا توجد ضرائب. في المقابل، على المواطنين عدم الاعتراض على الحكم المطلق للعائلة المالكة.

يريد ولي العهد الآن تغيير هذه الصفقة، كما يقول برنارد هيكل، المتخصص في شؤون المملكة العربية السعودية في جامعة برينستون.

يقول هيكل “إن ولي العهد يقول إننا لم نعد قادرين على تحمل تكاليف هذه الرفاهية… وبالتالي فإن شروط العقد الاجتماعي يجب إعادة التفاوض بشأنها”.

يحل ولي العهد الصفقة مع السكان عن طريق تخفيف الحظر المفروض على دور السينما والحفلات الموسيقية والسماح للنساء بقيادة السيارات والذهاب إلى العمل. الآن ترى نساء سعوديات يعملن في مراكز التسوق وحفلات الاستقبال في الفنادق – لم يسمع بهن قبل بضعة أشهر.

كما يدفع ولي العهد بعض المشاريع العملاقة، بما في ذلك إنفاق 500 مليار دولار لبناء مدينة نيوم. وللمساعدة في دفع ثمن هذه المشروعات، خططت الحكومة لبيع حصة 5٪ في شركة أرامكو السعودية، شركة النفط العملاقة. لكن السعودية ألغت خطة الطرح المحلي والعالمي للشركة والذي كان سيعد الأضخم من نوعه في التاريخ، مما يعكس “غباشا بالرؤية” حسبما وصفت مجلة “الإيكونوميست”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *