أيادي الخير’ السعودية.. لتخريب العراق

دخل العراق في الأونة الأخيرة في أتون دوامة صراع جديدة في طياتها مطالب شعبية ـ وإن كانت هذه المطالب محقة كونها تطالب بمكافحة الفساد وتأمين الحاجات الأساسية للناس – إلا أن هناك من يتلطى خلفها من أجل إحداث شرخ بين العراقيين وتعريض أمنهم للخطر. هذه الهجمة التي يتعرض لها العراق لا تنفصل عن فترة الإحتلال الأميركي ومن ثم صعود تنظيم “داعش” التكفيري. فواشنطن التي خرجت من العراق مبتورة يد أدواتها الإرهابية ـ في هذا البلد الذي لا يزال يعاني منذ حكم الطاغية صدام حسين إلى يومنا هذا ـ لا تزال توجه سهامها إليه لكي تبقى المسيطر على الساحة وتصادر قرار الشعب.

أدوات واشنطن في المنطقة لا تترك فرصة إلا وتستغلها من أجل تنفيذ مخططاتها، وتحويل البيئات المخالفة لها إلى موالية، لذلك فإنها تشتري ذمم البعض وتدفع أموال طائلة من أجل تطبيق برامجها للنفوذ في البلاد، ومن لا يكون لقمة سائغة عبر هذه الطرق، تفرض عليه عقوباتها تارةً أو تستخدم ضده أساليب القتل تارة أخرى، وعلى ذلك أدلة وشواهد كثيرة من سوريا إلى العراق فاليمن.

لا تنفك الأدوات المتمثلة بالسعودية والإمارات عن إستخدام كل وسيلة من أجل ضرب إستقرار البلاد، ويعتبر العراق أحد أكثر النماذج وضوحاً في التأمر السعودي الإماراتي، وخاصةً بعد الاحتلال الأميركي وصولاً إلى صعود تنظيم “داعش”، ودخول الرياض وأبوظبي أكثر فأكثر في لعبة الشرق الأوسط الكبير، وتحولهما إلى أداة طيعة لدى الإدارة الأميركية من أجل تحقيق أهدافها، ولم تتوان الدولتان عن إدخال الإرهابيين وسلاحهم والأموال إلى العراق إبان صعود الجماعات الإرهابية فيه لا سيما في فترة السفير السعودي السابق ثامر السبهان الذي يعتبر “محراك الشر” حيث سعى جاهداً إلى ضرب النسيج الاجتماعي وبث الفتن من أجل الاقتتال بين فصائل المقاومة العراقية ومن ثم تفكيك التحالف الوطني والحشد الشعبي.

ما تقدم تؤكده وثائق تنشرها صحيفة «الأخبار» تتعلق بالدورين السعودي والإماراتي في العراق، تتركز على حقبة السنوات الماضية التي شهدت تطورين رئيسين: خروج قوات الاحتلال الأميركي وصعود تنظيم «داعش». حيث وجد الخليجيون في هذه المرحلة، تحديداً الرياض وأبو ظبي، أنفسهم في دور الوكيل للأصيل الأميركي الذي لم يبتعد عن الساحة إنما تعرّض نفوذه للاهتزاز وبات يحتاج إلى رافدين لتحركاته. ما مرّ فرض على السعودية تنظيم مشاريع ملائمة للنفاذ إلى بلاد الرافدين. وتكشف إحدى الوثائق، خلاصة لمرحلة السبهان بين حزيران/ يونيو 2015 وتشرين الأول/ اكتوبر 2016، ونتائج أنشطته المتنقلة منذ منصبه الدبلوماسي، واستكمالها بعد طرده من بغداد بين البلاط السعودي وسفارة بيروت. كل الجهود السابقة للسبهان، الذي بحسب الصحيفة لا يزال مُكلَّفاً بمتابعة الملف العراقي، يُجمّلها فريقه في مشاريع مقترحة على شكل برامج عمل. وتفيد الوثيقة بسلوك دبلوماسي سعودي لا يراعي الخصوصية العراقية، من المرجعية الدينية وصولاً إلى مختلف القوى الفاعلة.

وقد سعى السبهانيون بحسب الصحيفة إلى إحداث اقتتال عسكري يُجر إليه «التيار الصدري» وبقية الفصائل، للتلاعب بالأمن العراقي في الداخل وعلى الحدود، ومحاولة شراء الساسة والعشائر والإعلاميين. الأهم، أن التطورات السياسية الأخيرة توضح أن ولي العهد محمد بن سلمان، ووزير خارجيته عادل الجبير، قد وقّعا بالموافقة على المقترحات «السبهانية»، إذ بات بالإمكان تتبع البصمات السعودية بوضوح في الأزمة الجارية.

كان السبهان وفريقة يرجون من خطتهم التصادم المسلح بين الفصائل التابعة لقادة التحالف الوطني، فضلاً عن التقرب من العشائر والقبائل من أجل إبعادها عن نسيجها الوطني، ومن ثم تفكيك الحشد الشعبي وتشويه سمعة قادته، ذلك من خلال دفع الأموال والمساعدات وتبني بعض الشخصيات الدينية والسياسة والإعلامية ودعمها مادياً، ناهيك عن التقرب من القيادات العسكرية التي كانت في عهد المخلوع صدام حسين.

وثيقة أخرى تحت عنوان “الإمارات ليكس: ترامب يطلب تخريب العراق بأموال السعودية”، تظهر الدور الإماراتي في تطبيق سياسات واشنطن في العراق، وكيف لعبت الإمارات دوراً بارزاً في محاولة تخريب البلاد، حيث لعب السفير الإماراتي في العراق حسن أحمد الشحّي، دوراً بارزاً في هذا المضمار وفق ما تشير اليه وثيقة تنشرها صحيفة “الاخبار”.

يلخّص الشحي، في برقية مؤرخة بـ25 تشرين الأول/ أكتوبر 2017، تحمل عنوان «وزير الخارجية الأميركي يزور العراق»، الاستراتيجية الأميركية هذه بـ6 نقاط، في مقدّمها «تعزيز الوجود العسكري الأميركي في العراق بالإبقاء على عدد من القوات الأميركية القتالية والخاصة بحماية الأراضي التي طُرد عناصر داعش منها»، و«إبقاء المراقبة الميدانية والجوية واستمرار الاستطلاعات الأمنية والاستخباراتية لإفشال المشروع الإيراني التوسعي في العراق ومنعه من إيجاد ممرات بديلة وطرق برية أخرى لإدامة الاتصال بين طهران ودمشق عبر بغداد، وصولاً إلى البحر الأبيض المتوسط، مروراً بالأراضي اللبنانية”.

هكذا إذاً، يظهر البرنامج الأميركي الذي ينفذ باياد سعودية إماراتية في العراق، بشكل يقوم على تفكيك النسيج الوطني العراقي، وضرب الاستقرار والأمن في العراق، لقطع الطريق على العراقيين ببناء دولة مستقلة بعيداً عن المشاريع الأميركية، هذا فضلاً عن منع التقارب الإيراني العراقي الذي تنامى خاصةً بعد الدعم اللامتناهي من قبل طهران للعراقيين للقضاء على تنظيم “داعش”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *