مختصر خطبة لسماحة الشيخ الأمير سعيد شعبان رحمه الله بتاريخ28-1-1994م.
– لقد آلت وراثة هذا الدين عن الأنبياء جميعاً والمرسلين إلى هذه الأمة التي وقع عليها الاختيار لحمل رسالة الله إلى الناس والاختيار كان تشريفاً من الله وتكليفا
تشريفاً لأن من أطاع الله نال الشرف والمكانة الرفيعة
وتكليفاً من الله لأن الله تعالى هو الذي يحدد للمخلوقات أعمالها ووظائفها
فكما حدد للأمطار مهماتها في إرواء الأرض وسقاية الإنسان والحيوان أمر الأرض أن تخرج خيراتها لتكون طعاماً لدواب الأرض من عقلاء وسواهم، مَّتَاعًا لَّكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ ، وهو الذي حدد للشمس مهامها أن تشرق على هذه الدنيا وتدفئ أجواءها وتعطي من نعم الله ما أعدها له
وحدد لهذا الإنسان مهمته فليس مطلوب من الإنسان أن يقدم لحمه كما تقدمها الأنعام طُعمة للناس فلحوم البشر محرمة على البشر , وليس المطلوب من الإنسان أن يقدم جلده نعالا لأقدام البشر فجلود الناس محرمة أن تصنع منها النعال ولم يطلب من الإنسان أن يقدم عسلاً ولا لبناً فتلك مهمة النحل والأنعام
إنما طلب من الإنسان أن يعبد خالقه ويعمر الأرض بالعدل :” إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ “وتلك هي المهمة , أن يعبد خالقه وأن يستمتع بكل ما في الأرض من نِعم وأن يشكر المُنعِم.
ثمن هذه النعم التي لا تعد ولا تحصى أن تنفذ أمر الله في هذه الأرض ولو أن الله أجرى لك حساباً لتدفع تكاليف الحياة لوجب عليك أن تدفع كل يوم تحصيل ألف سنة لو أردت أن تعرف نعم الله عليك لعلمت أنك لا تكافئ الله تعالى ولو عبدته من يوم مولدك وحتى وفاتك فإنك لا توفيه نعمة واحدة لأن حياتك مربوطة بأسباب الله فلو أن الله منع عنك سبباً من أسباب الحياة لما استقامت حياتك ولا استمرت
نذهب أحياناً إلى المستشفى فندفع ثمن الهواء”الأوكسيجين” وثمن الماء”الأمصال” , نذهب إلى السوق وندفع ثمن الأشياء أما الله تعالى فقد أعطاك الشيء بلا ثمن …بلا ثمن وَإِن تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا ۗ إِنَّ الْإِنسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ (34)
لو أنك أردت أن تجري حساب الهواء الذي تتنفسه كل يوم لما استطعت دفع تكاليف الهواء لو كان يباع لك كما تباع المياه المعدنية التي يقننها الإنسان ليبيعه للإنسان والناس شركاء في ثلاث الماء والكلأ والنار كما يقول الرسول صلى الله عليه وسلم فأي فاتورة ستدفعها لله تعالى لو أنه يتقاضى على النعم اجراً ومالا
ولكن الله تعالى قدم كل ذلك من أجل أن يعينك على أداء وظيفتك ومهمتك وهي إقامة العدل على وجه هذا الأرض, منحك عقلاً تدرك به الحق ومنحك قدرة تسعى بها لتحقيق الغاية وأيدك بالمؤمنين وأيدك بالحق الذي أنزله على أنبيائه ورسله وأخبرك بأنه يؤيدك وينصرك إن أنت نصرت دينك وانه يخذلك إن أنت خذلته وخذلت الحق الذي أنزله
ومن هنا كان الثواب والعقاب عاجلاً وآجلاً
أما الثواب العاجل فهو العز والتمكين بالأرض
وأما الثواب الآجل فهو الخلود في رضوان الله تعالى
وهل يحتاج الإنسان الضعيف إلا أن يكون حبيباً للقوي وللبر الرحيم الذي خلقه دون أن يكون له على الله الحق إنها هبة الله تعالى التي منحتنا الوجود والنعم والهداية والجنة التي عرضها كعرض السموات والأرض أعدت للمؤمنين
أيها المسلمون إن الأرض قد فسدت وأنتم مطالبون بإصلاحها وإن الكفر والظلم قد عتى وعليكم أن تتصدوا للكفر لأن مهمة الإنسان الذي خلقه الله في هذه الأرض أن يبدأ بإصلاح نفسه ثم بإصلاح الناس فلا يجوز للمسلم أن يرى الفساد ثم لا يقوم على إصلاحه
وإن إصلاح الفساد كما يكون فردياً يقوم به الإنسان حيال نفسه أو مسؤولية إجتماعية يبدأ بها الإنسان بإصلاح أهله وعائلته, يكون مسؤولية الأمة كلها في تقويم الحياة على أمر الله
والأمة التي لا تمتلك القدرة على إصلاح حالها وحال الناس ستعيش تأثيرات الآخرين من أعدائها الذين يفعلون بها ما يشاؤون من فساد وإضعاف واضمحلال
لذلك أمتنا مطالبة بأن تكون سيدة على الأرض والسيادة لله في السموات وفي الأرض والله تعالى لا يمنح المؤمنين ملكاً إلا إذا صدقوه فيما عاهدوا عليه فقد صدق الله تعالى رسوله ومكن لدينه وجعله سيداً في قومه وسيداً في دنيا الإنسان