اعتبر أمين الهيئة القيادية في “حركة الناصريين المستقلين–المرابطون” العميد مصطفى حمدان أن “ما نراه من تعثر لانتاج الحكومة الأولى ما بعد الانتخابات النيابية هو امتداد للواقع السياسي الهشّ داخلياً، ما يجعل رهانات الداخل على الخارج وأوامر الخارج إلى الداخل هي السبب الحقيقي لعدم تشكيل الحكومة اليوم وغداً ولربما إلى أشهر قادمة، استناداً إلى وقائع وتطورات المشهد الإقليمي المحيط بنا الذي يعكس صراعات دولية لا يستطيع أحد أن يحدد مداها الزمني لبلورة الصيغ والتسويات فيه”.
وأكد حمدان في حديث لـ”النشرة” وجود “تعليمات خارجية متعددة المصادر تدعو الأطراف المرتبطة بها إلى عرقلة تشكيل الحكومة لاستخدام الملف اللبناني ورقة في رسم وقائع المشهد الإقليمي”، لافتا الى أن “رأس الحربة في تنفيذ هذه الأوامر أصبح واضحا، وهو الثنائي “الجنبلاطي-الجعجعي”، ووائل وهبي أبو فاعور هو ضابط الاتصال مع السعودية”. واضاف:”لولا عدم وجود هكذا تعليمات أو أوامر خارجية لتأليف الحكومة لكانت شكلت خلال ساعات من تكليف النائب الحريري، وهذا ليس كلاماً لا أساس له من الواقعية إذ أن التاريخ السياسي اللبناني فيه الكثير الكثير مما سبق وذكرناه، وعوضاً أن يتسلح رئيس الحكومة المكلّف بهذا الواقع الدستوري ويتحمل المسؤولية الوطنية بدعم من الرئيس ميشال عون الذي حرّره من الأسر يوم اختطفه (ولي العهد السعودي) محمد بن سلمان، نراه يأسر نفسه سياسياً في قفص (رئيس حزب “القوات اللبنانية”) سمير جعجع الذي تآمر عليه في الماضي القريب، وفي شباك (رئيس الحزب التقدّمي الاشتراكي) وليد جنبلاط العنكبوتية التي لا تخدم إلا مصالح جنبلاط في دوره كخادم أمين للاملاءات الخارجية، ابتداءً من مديره جيفري فيلتمان الأميركي إلى الجنرالات السعوديين الذين يديرون الدفّة اليوم على صعيد الملف اللبناني خليجياً”.
وأشار حمدان الى أن “هذا التقرّب من الثنائي الجنبلاطي-الجعجعي المفشّل للإقلاع بتشكيل الحكومة اليوم استناداً إلى أوامر أميركية-خليجية، ترتبط جذرياً بما يرسم في منطقة الشرق الأوسط، يستنزف الدور الوطني المنتظر للحريري والذي اصبح مثار شكوك وكلام عالي النبرة عن الوهن والضعف وقلة القدرة على التصرف سياسياً”.
لا يمكن سحب التكليف
وشدّد حمدان على ان “الواقعية السياسيّة تفرض على الجميع في مسار إدارة البلاد الالتزام بالدستور وتطبيقه بدقة حرصاً على عدم تضارب الصلاحيات، والوصول بالمنازعات المذهبية والطائفية على أعلى المستويات في تحمل المسؤولية الوطنية، إلى شعور أن طائفة تغلّبت على أخرى وبالتالي الدخول في دوامات الفوضى والأزمات التي تصل إلى ما لا يُحمد عقباه”، لافتا الى وجود “ركيزتين دستوريتين هامتين لا يجب أن يتخطاهما أحد دستورياً لرئيس الحكومة، أولاً أن التكليف لرئيس الحكومة يستند إلى استشارات ملزمة هي أقرب إلى الانتخابات، وبالتالي لا يمكن بتاتاً سحب التكليف تحت أي ذريعة من الذرائع. وثانياً، أنه لا يوجد أي مهلة زمنية تفرض على رئيس الوزراء بتشكيل الحكومة العتيدة، ولا مجال هنا لذكر السوابق في هذا الموضوع”. وبالتالي تسقط كل الفزلكات الدستورية المطروحة، فالمخرج الدستوري غير موجود شرعياً الآن”.
ونبّه حمدان من أنه “لا يجوز بتاتاَ في ظل التحولات الكبرى على الصعيد الإقليمي، طرح الصراع على الصلاحيات بين الرئيس ميشال عون ورئيس الحكومة المكلّف سعد الحريري وعلى الأخصّ في عملية تأليف الحكومة العتيد”، مشيرا الى ملاحظات حول ما جرى في الأيام الماضية في مسار التأليف، قائلا:”أولاً، يجب عدم تقديم صيغة مكتوبة توزع الحصص على القوى السياسية انطلاقاً من معايير مذهبيّة وطائفيّة، إذ تصبح هذه الورقة المكتوبة كأنها صفقة تبرم بينهما، فالصيغة يمكن أن يتشاور بها رئيس الحكومة كأفكار في توزيع المقاعد الوزارية بين القوى السياسية.من هنا كان الأفضل بعد التشاور مع فخامته بصيغة التوزيع يقدم دولة الحريري إلى رئيس الجمهورية التشكيلة الحكوميّة بأسماء الوزراء وبالتالي يتم الحوار والتشاور بينهما حيث يحق لفخامته قبول تشكيلة الأسماء أو رفضها”.
ورأى حمدان أن”أخطر ما جرى في الأيام الماضية بكلام الصراع على كل الصلاحيات تحويل نقاش دستوري إلى متاريس طائفية ومذهبية تنعكس على سلباً على اصطفافات الواقع السياسي المهتزّ، وشعور المواطنين بعدم الأمان والخوف والحيرة من الأيام القادمة، وبالتالي يصبح من الصعب إذا لم تتطور الأمور بحصر هذا الصراع عن أبعاده الطائفية التي تهدد الصيغة الوطنية”. وحثّرئيسي الجمهورية والحكومة على “لجم كل من يحاول العبث بمسار التأليف، والإسراع بتشكيل الحكومة التي عليها أن تواجه وقائع الأزمات المعيشية والاجتماعية الخانقة التي يعيشها المواطنون”.
سقوط إدلب
وتطرق حمدان للتطورات الى الوضع السوري ولا سيّما في ادلب، فأشار الى أن “الوقائع الميدانية والاستراتيجية العليا تؤكد المؤكد بأنها قد دخلت في معادلات القوة، بين روسيا والجمهورية العربيّة السورية والحلفاء ضد الولايات المتحدة الأميركية والتوابع الأوروبيين ومن يعادي سوريا من العرب هو بقايا الإرهاب”، معتبرا أن”كل الضجيج الإعلامي وقرقعة السلاح والمظاهر المتوترة التي شاهدناها في مراحل سابقة تؤكد لنا أن إدلب قد تسقط في غفلة من ساعة، خاصة أن كل المعلومات الاستخبارية تؤشّر أن القيادات الإرهابية التي كانت تقود المعارك في إدلب، مثل المدعو محمد الجولاني أصبح في عهدة مشغليه الأميركيين أو المدعو أبو مالك التلّة الّذي عبر الحدود إلى تركيا وغيرهم من الإرهابيين، كما أن هناك معلومات دقيقة عن مقتل الكثير من قيادات الإرهاب الأجانب في سوريا وعلى الأخص الإرهابيين المتأسلمين من الصين”.
وأوضح أنه”من المتوقع تحديد مصير إدلب قريباً بالعودة إلى الوطن السوري، إلا إذا جنّ جنون الأميركيين وقرروا خوض المعركة مباشرة عوضاً عن الإرهابيين، وهنا تبدأ مرحلة جديدة من مراحل الصراع في سوريا، لكن لا يمكن لأحد أن يحدد مداها الاستراتيجي والميداني”. وقال:”بالطبع فإن لبنان سيتأثر بتداعيات ما يجري ليس فقط في إدلب في الأيام المقبلة، إنما بتطور الوقائع السياسية الميدانية في سوريا”. وختم، “هناك كلام واضح نسمعه في سوريا يؤكد أن العلاقات الأمنية والاقتصادية تنتج العلاقة السياسية السليمة بين البلدين، وبالتالي المطلوب عدم دفن الرؤوس في التراب والنفاق الديماغوجي الشعبوي، وليكون المسار الطبيعي للعلاقات الأخويّة الثنائية “حكومة بحكومة” لا بالمفرّق إنما بالجملة ولبنان هو المستفيد من ذلك”.