16 ايلول 1982، تاريخ لا ينساه العالم، لا يشبهه تاريخ معاصر، حمل بين ثناياه أنين الجرحى واهات الثكلى، عندها تحول مخيم صبرا وشاتيلا إلى مسرحاً لمذبحة من أكبر مذابح العصر، تركت خلفها بحر من الدماء.
ما يقارب ثلاثة ايام من القتل والتنكيل خفضت معها الأصوات ولم يدق المسامع إلا أنين طفل جريح وأصوات للآم نساء بقرت بطونهن وآهات لرجال ذبحوا بصمت. المئات سالت دماؤهم بين شهيد وجريح ولا فرق بين صغير وكبير، عندها كنا في زمن تجرأت فيه “إسرائيل” بمعاونة قوات من حزب الكتائب على قتل الأبرياء.
وقد قدرت المنظمات الإنسانية والدولية عدد الشهداء؛ بينهم لبنانيون وعرب وغالبيتهم من الفلسطينيين (وفق شهادة الكاتب الأمريكي رالف شونمان أمام لجنة أوسلو في تشرين اول 1982 فإن الشهداء من 12 جنسية)، يتراوح بين الـ 3500 إلى 5000 شخص، من أصل 20 ألف نسمة كانوا يسكنون المخيم وقت حدوث المجزرة.
طوق الجيش الإسرائيلي الذي كان تحت قيادة ارئيل شارون ورفائيل إيتان يتقدمه قوات الكتائب المخيم بالكامل ودخلت إلى المخيم حيث بدأوا بدم بارد تنفيذ المجزرة التي هزت العالم ودونما رحمة وبعيدا عن الإعلام حيث كانت قد استخدمت الأسلحة البيضاء وغيرها في عمليات التصفية لسكان المخيم العُزَّل، ليستيقظ العالم على مذبحة يندى لها الجبين.
فصول الحديث عن هذه المجزرة المروعة لا تنتهي. كتب وتقارير كثيرة صدرت، تكشف تفاصيلها وكيف تم التواطؤ لقتل أهالي المخيم. أحد هذه الكتب الهامة التي تكشف خيوط هذه المؤامرة هو كتاب أميركي جديد صدر بعنوان “Sabra and Shatila: New Revelations”.
يتحدث الكتاب عن أبرز ما ورد في تقرير “كاهانا” لجنة التحقيق الخاصة التي شكلتها المحكمة الصهوينية العليا للتحقيق بالمجزرة. كما يكشف ايضاً أبرز المحطات التي حصلت، فضلاً عن كشف تفاصيل تتعلق بالتامر الاسرائيلي مع “الكتائب”، ويقول الكتاب “في الرابع من تموز/ يوليو عام 1982، طلب وزير الحرب الإسرائيلي لقاء مشتركا مع حزب الكتائب في اجتماع للحكومة الاسرائيلية وبحسب مسودة الإجتماع، قال شارون: “المسيحيون شركائنا في القتال”، مشيراً في جلسة الكنيست في 22 أيلول/ سبتمبر 1982 تم دراسة كيفية دخول الكتائب إلى المخيم.
ويبين الكتاب كيف بدأت العلاقة بين القوات اللبنانية والجيش الصهيوني، حيث تم تدريب 1300 مسلحاً من القوات اللبنانية وفقا لعقيدة القتال الإسرائيلية، مشيراً إلى أن اجتماعات عديدة بين الطرفين عقدت في الكيان الإسرائيلي، وقد تمت مناقشة قضية اللاجئين الفلسطينيين في المخيمات لأول مرة في 31 تموز/ يوليو 1982.
ويشير الكتاب إلى أن “الحصار الإسرائيلي لبيروت كان لا يزال مستمراً، وقد عقد اجتماع سري بين بشير الجميّل، ورئيس الاستخبارات العسكرية اللبنانية جوني عبدو وزاهي بستاني وفادي فرام، بحضور عدد من المسؤولين الإسرائيليين من بينهم الجنرال ساغي، الجنرال تامير، ر. فاردي، أو. داني ، أز شامير في مزرعة آرييل شارون في النقب جنوب فلسطين المحتلة وبدأ الإجتماع في 31 تموز 1982 الساعة الحادية عشر وانتهى الساعة الواحدة والنصف فجرا اليوم التالي”. قال عندها بشير الجميل للإسرائيليين: “سنهتم بكل شيء وسنخبركم قريباً بذلك” وشكر الجميل القيادة الإسرائيلية لدعمه في بيت الدين.
خلال الاجتماع قال بشير الجميل “لم تكن لدينا فكرة (أن نطلب من الجيش “الإسرائيلي” الإنسحاب من طريق بيروت -الشام)، فرد وزير الحرب الصهيوني انذاك شارون بالقول “ليس أنتم، الحكومة اللبنانية هي المسيطرة حاليا وهي تقلقنا لناحية أن يطلب الرئيس سركيس ذلك، أنا قلق لهذه الناحية”.
فرد عليه بشير الجميل وجوني عبدو: لا تقلق.
فقال شارون “لا يجب أن يحصل انسحاب إلى البقاع ولا يجب أن يبقى ارهابي في بيروت. قولوا لسركيس أن يبقى قويا وأن يرفض الإنسحاب إلى البقاع أو أن يبقي الإرهابيين ومكاتبهم في بيروت ولا يجب أن يطلب منا الإنسحاب من بيروت طالما بقي الإرهابيون فيها وإزالتهم تحتاج إلى وقت فنحن نعاني من المشاكل”.
الكتاب يؤكد أن “الجيش اللبناني رفض الدخول إلى المخيمات، بينما وافقت القوات اللبنانية على ذلك في 15 أيلول/ سبتمبر 1982، وفي السادس عشر من أيلول/ سبتمبر 1982 حضر قادة الكتائب إلى مقر القيادة العسكرية الإسرائلية 96 وقدموا تقاريرهم الميدانية”، مبيناً أن “الموافقة وأوامر الدخول إلى المخيمات أعطيت بين الساعة السادسة والسابعة من اليوم نفسه حيث تم الدخول من قبل هذه القوات إلى المخيم”