تعتقد واشنطن أن استمرار وجود فلسطينيين يحملون صفة لاجئ، يعد أحد أهم العقبات التي تحول دون تحقيق السلام الشامل بين الفلسطينيين والصهاينة.
وتضع “الأونروا” تعريفا متفقا عليه للاجئين الفلسطينيين، بأنهم الأشخاص الذين كانت فلسطين مكان إقامتهم الطبيعي بين الأول من يونيو/ حزيران 1946، و15 مايو/ أيار 1948.
ويحمل صفة لاجئين فلسطينيين أيضا من فقدوا منازلهم وسبل عيشهم جراء حرب عام 1948، وتسري الصفة على “أحفاد اللاجئين الفلسطينيين من الذكور”.
الوكالة تأسست في 1949، أي بعد عام من الحرب العربية الإسرائيلية التي أجبرت نحو 700 ألف لاجئ على النزوح والفرار من فلسطين، أو طردوا منها بإعلان قيام ما يسمى بـ“دولة إسرائيل” منتصف مايو/ أيار 1948.
وتشمل صفة “لاجئ” جميع الفلسطينيين الذين غادروا فلسطين عام 1948، أي قبل 70 عاما، بمن فيهم أبناؤهم وأحفادهم ممن يقدر مجموعهم بنحو 5.4 مليون شخص، وفق “الأونروا”.
واشنطن وحق العودة
في رسالة مفتوحة، قال بيير كراينبول، المفوض العام لـ”أونروا”، إن هناك 5.4 ملايين لاجئ فلسطيني لديهم حقوق “لا يمكن إنكارها” أو “التخلي عنها”.
كما شدد على أنه لا يمكن لوم “الأونروا” على إدامة قضية اللاجئين بعد أن فشل المجتمع الدولي في حل النزاع الفلسطيني الإسرائيلي.
في الأثناء، تشير وسائل إعلام إسرائيلية إلى أن واشنطن ستعتبر أن “عدد اللاجئين الفلسطينيين نصف مليون لاجئ فقط”، بعد سلسلة من الإجراءات لإصلاح أنظمة “الأونروا”، عبر إيجاد صيغة قانونية جديدة تكفل عدم نقل صفة اللاجئ بالوراثة من الأجداد والآباء إلى الأبناء والأحفاد، وبالتالي إلغاء حق العودة.
ولا يستبعد مراقبون اتخاذ واشنطن قرارا بإلغاء “حق العودة” للاجئين الفلسطينيين وتقليصها إلى أقل من 500 ألف يستحقون صفة لاجئ فلسطيني من أصل 5.4 مليون لاجئ تعتمدها سجلات الأمم المتحدة.
ويعتقد مراقبون أن جاريد كوشنر، صهر الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، ومستشاره الخاص المكلف بإدارة مبادرة السلام، يسعى لتجريد الفلسطينيين بالضفة وغزة من صفة “لاجئ”؛ ما سيقود نحو إلغاء “حق العودة”، وبالتالي إزالة أهم العقبات التي تعترض مفاوضات السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين.
ويُعتقد، على نطاق واسع، أن القرار الأمريكي بحجب التمويل عن “أونروا” يهدف إلى إلغاء “حق العودة” وإنهاء ملف اللاجئين، الملف الأكثر تعقيدا على طاولة المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية.
وتتهم واشنطن “الأونروا” بشبهات فساد، لتبرير قرارها بخفض المساعدات في يناير/كانون الثاني من 365 مليون دولار سنويا إلى 65 مليونا.
وتساهم واشنطن في تمويل “أونروا” بحوالي 350 مليون دولار سنويا، وتعد بذلك أكبر الدول الممولة للوكالة التي تبلغ ميزانيتها السنوية 1.2 مليار دولار.
ومنذ عقود، يواصل الفلسطينيون والإسرائيليون التفاوض للتوصل إلى سلام وفق قرارات مجلس الأمن الدولي عبر وسطاء دوليين.
ويتمسك الفلسطينيون، كجزء من أي اتفاق سلام، بحق العودة للاجئين، وهو ما ترفضه إسرائيل التي ترى فيه تهديدا ديمغرافيا يهدد الأغلبية اليهودية، ويمهّد بالتالي للقضاء على دولة إسرائيل، أو الدولة اليهودية، وفق تسمية المسؤولين الإسرائيليين.
وحفاظا على “حق العودة” للفلسطينيين، رفضت الدول العربية منح اللاجئين جنسيات بديلة عن جنسياتهم الأصلية؛ ويتوزع معظمهم في الأردن ولبنان وسوريا والأراضي الفلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة.
إلغاء أونروا
رئيس الوزراء الصهيوني، بنيامين نتنياهو، طالب بإلغاء “الأونروا” وتولي مهامها من قبل المفوضية السامية لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة.
وزعم نتنياهو أن الوكالة “تكرس” مشكلة اللاجئين الفلسطينيين عن طريق تضخيم أعدادهم بشكل صارخ، في إشارة إلى أن “الأونروا” تمنح صفة لاجئ لأحفاد اللاجئين الفلسطينيين المسجلين منذ عام 1948.
فيما يرى مفوض “الأونروا” في الخطوة الأمريكية بخفض مساعداتها للوكالة، “إجراء عقابي” للفلسطينيين، “ردا على انتقادهم اعتراف واشنطن بالقدس عاصمة لإسرائيل”.
ومن المحتمل أن الإدارة الأمريكية لن تعترض على مساعدات قد تقدمها دول أعضاء في الاتحاد الأوروبي أو الدول العربية الحليفة في مجلس التعاون الخليجي، لدعم “الأونروا” مرحليا بعنوان تمويل طارئ.
غير أنه من المستبعد أن توافق على استمرار هذا الدعم الذي يقوض جهودها في إنهاء عمل الوكالة.
“صفقة القرن”
القرار الأمريكي بوقف تمويل “الأونروا” يأتي في سياق تحول تتبناه إدارة الرئيس دونالد ترامب، كجزء من إعادة النظر في الاتفاق على المساعدات الخارجية.
كما يأتي أيضا في سياق التحول الأكبر في سياسة واشنطن تجاه فلسطين، والتي تمثلت في الاعتراف بالقدس عاصمة لدولة إسرائيل وقرار نقل السفارة الأمريكية إلى المدينة المحتلة، والسعي لإقرار ما يعرف باسم “صفقة القرن”.
و”صفقة القرن” تسمية متداولة إعلامياً لمساعي واشنطن لإنهاء الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، بإرغام الفلسطينيين على تقديم تنازلات مجحفة لصالح تل أبيب، وتتضارب الأنباء عن بنودها، التي يجري الحديث عن اقتراب موعد الإعلان عنها.
وفي محاولة لإبعاد اللاجئين تماما عن مفاوضات السلام، يخطط جاريد كوشنر، صهر ترامب ومستشاره الخاص المكلف بإدارة مبادرة السلام، للقضاء على”الأونروا”، وإعادة توطين اللاجئين بالبلدان العربية المجاورة.
تداعيات وخيمة
أكثر من نصف مليون فلسطيني في غزة يعتمدون على دعم “الأونروا” ووكالات إغاثة إنسانية أخرى، في قطاع تبلغ فيه نسبة البطالة بالقطاع نحو 46 بالمائة؛ وتستوعب “الأونروا” أكثر من 13 ألف موظف فيه.
وتشرف الوكالة على أقل من 300 مدرسة بالقطاع، تستقبل سنويا أكثر من 270 ألف طالب.
وفي حال إغلاق “الأونروا”، فان هذا يعني حرمان ما لا يقل عن 530 ألف فلسطيني من المدارس التابعة للأمم المتحدة، وأكثر من 9 ملايين مريض سنويا يراجعون 150 عيادة طبية تقدم خدمات أولية في غزة والضفة الغربية ودول عربية تستضيف لاجئين فلسطينيين.
كما أن نحو 1.7 مليون فلسطيني ممن يتلقون مساعدات غذائية من “الأونروا”، سيجدون أنفسهم عاجزين عن توفير حاجياتهم الأساسية بهذا الخصوص، لينحشر بذلك القطاع بين حصارين، الأول الذي تفرضه إسرائيل منذ 2006، والثاني حصار التمويل على “أونروا”. (الأناضول)