تصدَّرت قضية الداعية الشيخ سلمان العودة المعتقل في السجون السعودية اهتمام العرب على شبكات التواصل الاجتماعي، وتوسع الجدل من داخل السعودية ومنطقة الخليج إلى مختلف أنحاء العالم العربي بعد أن تسربت أنباء المحاكمة السرية التي أحيل لها العودة بعد أكثر من سنة على اعتقاله، وبعد أن تبين أن النيابة وجهت له قائمة طويلة من التهم وطلبت إعدامه عقاباً له عليها.
وكشف حساب «معتقلي الرأي» على «تويتر» والذي يتابع أخبار المعتقلين في السعودية منذ سنوات، إن المحكمة الجزائية المتخصصة في السعودية بدأت صباح الثلاثاء الماضي بمحاكمة الشيخ سلمان العودة سراً، كما كشف أن «النيابة العامة وجهت للشيخ العودة 37 تهمة متعلقة بالإرهاب وطلبت ما سمته (القتل تعزيراً)» أي أنها طلبت تنفيذ حكم الإعدام بحقه.
والشيخ سلمان العودة هو أحد أبرز وأشهر الدعاة المسلمين على مستوى العالم بأكمله، إضافة إلى السعودية ومنطقة الخليج، وله خطب ودروس دينية تنتشر على الانترنت وكان الناس يتداولونها عبر أشرطة «الكاسيت» سابقاً، كما أن مؤيديه ينتشرون في مختلف أنحاء العالم الإسلامي، ولم يكن معروفاً بمعارضته للنظام في السعودية، لكنه في الوقت ذاته ظل مستقلاً عن النظام والهيئات الحكومية الدينية التي تتبع للحكومة السعودية.
وكان نجل العودة كشف قبل أيام عن وجود محاكمة سرية لوالده لم يعلم عنها الشيخ العودة سوى في قاعة المحكمة، ولم يتم إبلاغه بها سلفاً، كما لم يتم تعريفه بالتهم التي يواجهها سوى داخل قاعة المحكمة السرية.
كما كشف ابنه تدهور حالته الصحية بسبب الإهمال في سجن الحائر في الرياض الذي نقل إليه مؤخرا، كما قال الابن في سلسلة تغريدات على «تويتر» إن قوات الأمن السعودية نقلت الشيخ العودة من سجنه السابق في جدة إلى سجن الحائر في الرياض وهو «مقيّد اليدين والرجلين ومغطّى العينين، ثم وضعوه في سيارة مظلمة كأنها القبر تسرع فيه، فيضرب السقف ثم يسقط على الأرض في الطريق مرارا، ثم نقلوه بعدها بطائرة وهو على وضعه المقيّد والمغطّى بالكامل».
والشيخ سلمان العودة هو واحد من قائمة معتقلين طويلة جداً تضم عدداً كبيراً من الدعاة والمشايخ السعوديين المعروفين الذين رفضوا كيل المديح للأمير محمد بن سلمان أو تقديم الدعم الإعلامي له منذ توليه منصب ولي العهد، على الرغم من أن أغلبهم ليسوا معارضين للنظام السعودي وليست لهم أي أنشطة سياسية.
جدل واسع على «تويتر»
وأشعلت أنباء المحاكمة السرية للشيخ سلمان العودة موجة جدل واسعة على شبكات التواصل الاجتماعي امتدت إلى مختلف أنحاء العالم العربي، خاصة بعد المخاوف من أن يتم إعدامه فعلاً، في الوقت الذي سخر فيه الكثير من النشطاء على شبكات التواصل من التهم الموجهة للشيخ.
وأطلق نشطاء على الانترنت حملات للمطالبة باطلاق سراح العودة، حيث تصدر الهاشتاغ «#محاكمة_سلمان_العودة» قائمة الوسوم الأكثر تداولاً على «تويتر»، كما تصدر اسم العودة قائمة الوسوم أيضاً لعدة أيام، فيما رد مؤيدو للنظام في السعودية بحملات ضد العودة، لكن النشطاء قالوا بأن هذه الوسوم يديرها «جيش الكتروني» خاص يتبع للحكومة السعودية ويرد على كل حملة بحملة مضادة.
وعلق المعارض السعودي المعروف الدكتور سعد الفقيه على خبر المحاكمة السرية التي تجري للعودة بالقول: «لم تكن السلطة لتصل مرحلة توجيه 37 تهمة والمطالبة بالقتل للشيخ سلمان العودة لولا تخلي النخب عن الأخذ على يد الظالم طوال مسيرة التعسف. ولم يكن الوضع ليتفاقم في السوء في كل الاتجاهات لولا مجاملة النخب للظالم وثنائهم عليه في وقت كان عليهم مواجهته».
وأضاف في تغريدة ثانية على «تويتر»: «حذرنا وأنذرنا مرارا وتكرارا أن الساكت أو المجامل سوف يؤكل يوم أكل الثور الأبيض، واستمر الكثير في المجاملة ورفضوا دعم المصلحين إما باجتهاد مزعوم أو لمصالح شخصية، ولم يجد الظالم صعوبة في قطفهم واحدا واحدا وانتهى المطاف بالجميع تحت سيفه. فهل تكون محاكمة سلمان العودة نقطة تحول؟».
وتابع: «يُفترض أن تكون محاكمة سلمان العودة نقطة تحول كبيرة لأنها: 1) جرأة من السلطة في تلاعب مكشوف ورخيص بالقضاء، 2) جرأة في تسمية الأعمال المتفق على فضلها تهما تستحق الإعدام، 3) جرأة في اختيار عالم مشهور محليا وعالميا وله قبول واسع، 4) سيأتي الدورعلى كثير غيره إذا مضى الأمر دون مواجهة».
وكتب الإعلامي والناشط المصري عبد الله الشريف معلقاً بالقول: «محكمة آل سلمان توجه للشيخ سلمان العودة 37 اتهاما بالإرهاب ونيابتهم تطالب باعدامه. إني لأجد ريح عسكر مصر في فجوركم، والله المستعان على ما تصفون».
وكتب «مجتهد» وهو أشهر المغردين السعوديين على «تويتر»: «رصدت المخابرات السعودية والغربية ترقب التيارات الجهادية لنتائج محاكمة الشيخ سلمان العودة وتمنيهم أن تنتهي المحاكمة بالقتل ليس شماتة بالشيخ سلمان (مع أن معظمهم يبغضونه ويعتبرونه مداهنا) لكن حتى يهيء قتل الشيخ الرأي العام لتقبل موجة جديدة من العنف ويجلب لهم المزيد من الكوادر».
وكتب الناشط المصري فاضل سليمان قائلاً: «محاكمات سرية لأفضل من عرفتهم السعودية والمطالبة بإعدام مجدد الخطاب الديني الدكتور سلمان العودة».
وغرد معلق ليبي قائلاً: «بكتابة تغريدة دعاء توفيق بين بلدين متخاصمين؛ يُسجن الشيخ سلمان العودة، وتُلفق له 37 تهمة وزيادة حكم بالموت تعزيرا؟ ماتستغربوش الظلم يوصل لعند وين، تغريدة توصلك للموت؟ عجبي يا أمة الإسلام! قول الحق أصبح ثمنه الروح! حسبنا الله ونعم الوكيل ولعنة الله على الظالمين».
وعلق آخر: «أتمنى من العقلاء من القضاة والعلماء ومن يستطيع التدخل ان يكون له دور في عدم تمرير قرارات وأحكام متهورة قد تتفتح أبواب الفتنة والقتل في البلد، فو الله قتل العلماء لن يجر للبلد سوى زعزعة الأمن وإراقة الدماء».
وغرد الكاتب والناشط محمد خير موسى قائلاً: «قضاء آل سعود يُحاكم الشّيخ سلمان العودة في محاكمةٍ سريّةٍ بـ 37 تهمةً على رأسها أنّه مساعد رئيس كيانٍ إرهابي هو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين! والنّيابة العامة تطالبُ بالحكمِ عليه بالقتلِ تعزيرًا! أيُّ دركٍ من الإجرام والانحطاط الأخلاقيّ بلغه هذا النّظام؟».
وغرد محمد الزغول بالقول: «أقول جازما أن القضاء في أسوا دولة في العالم وهي إسرائيل أفضل وأعدل آلاف المرات من قضاء آل سعود».
في المقابل دافع بعض السعوديين عن القضاء في بلادهم وهاجموا الشيخ العودة، حيث كتب السعودي عبد الله الناصر مغرداً: «القضاء لدينا لا يظلم أحدا بمشيئة الله، وإذا أنتم عندكم مشاكل بقضائكم لا ترمون تجاربكم على الآخرين».
وقال ناشط آخر: «إن شاء الله نسمع الحكم بإعدامه حتى ترتاح نفوسنا على أبنائنا الذين غرر بهم وقتلهم بفتاويه».
إلى ذلك، انهال مئات المغردين والنشطاء على عدد من مشايخ السعودية، وفي مقدمتهم الشيخ عائض القرني والشيخ محمد العريفي بالأسئلة عن موقفهم من اعتقال ومحاكمة العودة والتهم الموجهة إليه، وانتقدوا صمتهم تجاه ما يجري في المملكة.
وخاطب أحد المغردين الشيخ عائض القرني بالقول: «يا شيخ.. سلمان العودة في الزنزانة ومريض وصدر في حقه الإعدام.. وأنت تأكل وتشرب وتغرد كأن شيئا لم يكن.. وتدعي أنك مفتي وداعية.. لمن تدعو وتفتي؟.. حسبنا الله ونعم الوكيل فيكم».