بعد ازاحة «القدس» عن طاولة أي مفاوضات مقبلة: استهداف الإدارة الأمريكية لوكالة الغوث مقدمة لشطب قضية اللاجئين

بعد أشهر معدودة على اعترافها بالقدس عاصمة لإسرائيل، واعتبارها خارج أي مفاوضات فلسطينية إسرائيلية، لم تتأخر إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن توجيه ضربة جديدة للفلسطينيين طالت هذه المرة ما يعتبره الشعب الفلسطيني حقا لا يقل قدسية عن القدس وهو حق العودة .
محاولة شطب قضيتي القدس واللاجئين، وسلخ قطاع غزة عن فلسطين، هي العناصر الرئيسية لما يسمى صفقة القرن، التي تنفذها الإدارة الأمريكية وإسرائيل على الأرض من جانب واحد، وبخطى تسابق الزمن، ولا تقيم وزنا للفلسطينيين وحقوقهم أو للعرب ووجودهم.
خمسة ملايين وأربعمئة ألف فلسطيني يحملون صفة لاجئ في سجلات الأمم المتحدة تقلصوا بقرار من أعضاء في مجلس الشيوخ الأمريكي إلى أربعين ألفا فقط، وذلك عبر قانون يسعى مجلس الشيوخ الأمريكي هذه الأيام إلى إقراره بالتوازي مع خطوات دراماتيكية تتخذها الإدارة الأمريكية لتصفية قضية اللاجئين، بدأت بقطع تمويل ومساهمات الولايات المتحدة الأمريكية في وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين والتي تبلغ 365 مليون دولار سنويا كانت تدفعها الولايات المتحدة سنويا للمنظمة الدولية، وهو الذي أصاب العديد من نشاطات الوكالة الدولية بالشلل، وتسبب بأزمة مالية خانقة أخفقت ثلاثة مؤتمرات للدول المانحة في علاجها بفعل ضغوطات أمريكية تمارس سرا وعلانية.
ولم يخف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أهدافه الحقيقية من حجب الأموال والمساعدات عن الفلسطينيين، وقال في رسالة وجهها لرؤساء المنظمات اليهودية عشية الاحتفال بما يسمى رأس السنة العبرية الخميس، إنه قرر حجب المساعدات والأموال عن الفلسطينيين «من أجل الضغط عليهم للموافقة على العودة للمفاوضات بوساطة أمريكية وما لم يقبلوا بالصفقة الأمريكية للسلام».
قطع المساعدات واستهداف الإدارة الأمريكية للتفويض الذي منحته الأمم المتحدة لوكالة الغوث، يأتي كبوابة لتصفية قضية اللاجئين الفلسطينيين، دفعت بإدارة وكالة الغوث إلى اتخاذ إجراءات تقشفية لبرامجها الإنسانية بواقع92 مليون دولار نهاية تموز/يوليو المنصرم بعد وصول العجز المالي في ميزانيتها إلى 256 مليون دولار وهو الأمر الذي يهدد استكمال العام الدراسي الحالي لأكثر من نصف مليون طالب في مدارس الأونروا .
وتمثلت الإجراءات التدبيرية في عدم تجديد عقود حوالي 154 موظفا يتبعون المنظمة الدولية في الضفة الغربية، وفصل نهائي لـ113 موظفا، وتحويل 584 موظفا من الدوام الدائم إلى المؤقت في قطاع غزة، وكذلك انهاء عقود 800 وظيفة في نهاية شهر تموز/يوليو الفائت على برنامج الطوارئ، علاوة على إنهاء أكثر من 1000 وظيفة نهاية شهر آب/أغسطس الحالي، لنفاد ميزانية الطوارئ بالإضافة إلى وقف برنامج خدمات الصحة النفسية المجتمعية، ووقف عمل العيادات الصحية المتنقلة.
وتشمل التدابير الاستثنائية تعليق التدخلات الطارئة والبطالة «المال مقابل العمل» لما تبقى من عام 2018 والحد من عمل وكالة الغوث في مجال الحماية والذي سيؤثر على برنامج مكتب دعم العمليات.
ولم تتوقف سياسة تقليص خدمات وكالة الغوث عند حدود الأراضي الفلسطينية، بل وصلت كافة أماكن تواجد اللاجئين الفلسطينيين، وعلى الأخص مخيمات لبنان وسوريا.
وهي الأزمة التي دفعت بقيادة منظمة التحرير الفلسطينية إلى تشكيل لجنة عليا لمتابعتها تتكون من ستة أعضاء من اللجنة التنفيذية للمنظمة برئاسة مسؤول ملف اللاجئين في منظمة التحرير د. أحمد أبو هولي والذي أكد لـ«القدس العربي» إن القيادة الفلسطينية لن تسمح للولايات المتحدة وإسرائيل المس بالتفويض الممنوح لوكالة الغوث بقرار أممي لحين عودتهم إلى ديارهم.
وقال: إن اللجنة المكونة من قيادات فلسطينية وازنة وكبيرة، تعمل على مساعدة وكالة الغوث في توفير الدعم المالي الذي يمكنها من النهوض بمسؤولياتها تجاه اللاجئين، والتصدي لمحاولات الإدارة الأمريكية المس بالتفويض الممنوح من قبل الأمم المتحدة لوكالة الغوث، وستعمل مع العرب والأصدقاء في العالم على احباط كافة التحركات الأمريكية الإسرائيلية الهادفة إلى تغييره أو تقويضه». وأضاف أبو هولي: «إن وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الأونروا هي الشاهد القانوني والسياسي لقضية اللاجئين والمعبرة عن الالتزام الدولي بحقوقهم».
وأكد رئيس اللجنة ومسؤول ملف اللاجئين في منظمة التحرير، إن حل الأزمة المالية هي مسؤولية الأمم المتحدة والدول المتبرعة والمجتمع الدولي، ومع ذلك ترى منظمة التحرير الفلسطينية نفسها شريكة مع وكالة الغوث بتحمل المسؤولية في البحث عن حلول للأزمة المالية المفتعلة من جانب إدارة الرئيس ترامب ومن خلفها إسرائيل، مشيرا إلى أن الأزمة المالية تحمل ابعادا سياسية واضحة تستهدف شطب قضية اللاجئين.
وقال أبو هولي: «الولايات المتحدة الأمريكية لم تتوقف عند حد قطع دعمها المالي لوكالة الغوث، بل وصلت مربعات الضغط على الدول المانحة لعدم تسديد العجز المالي، والضغط باتجاه الحيلولة دون إقرار طلب تخصيص ميزانية وكالة الغوث من الميزانية العادية للأمم المتحدة، ومحاولة سن تشريعات عبر مجلس الشيوخ الأمريكي تستهدف حق العودة، وتقلص أعداد اللاجئين من خمسة ملايين وأربعمئة ألف لاجئ إلى أربعين ألفا فقط».
وعن هذ الخطوة أكد أبو هولي ان صفة لاجئ ستبقى قائمة وملازمة للفلسطينيين الذين هجروا من مدنهم وقراهم عام 1948 وهي صفة تتوارث من الأجداد للأبناء والأحفاد ما لم يتحقق حقهم في العودة وفقا لقرارات الشرعية الدولية، وأضاف: «كل التحركات والإجراءات الأمريكية تحمل مؤشرات واضحة لمخطط تصفوي للقضية الفلسطينية وهو مخطط لن يكون مصيره إلا كباقي المخططات التي واجهتها منظمة التحرير ووأدها الشعب الفلسطيني منذ النكبة». وأكد أبو هولي ان مسؤولية تحديد أعداد اللاجئين الفلسطينيين والتفويض الممنوح لوكالة الغوث هي من صلاحيات الأمم المتحدة وليس أمريكا وإسرائيل. وجدد رفض منظمة التحرير أي تغيير في الوضع القانوني أو المؤسسي أو الوظيفي لوكالة الغوث، مشيرا إلى أن مهمتها لا تنتهي إلا بعودة اللاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم وفقا لقرارات الأمم المتحدة.
وعلى الرغم من نجاح منظمة التحرير بالتعاون مع إدارة وكالة الغوث في تنظيم ثلاثة اجتماعات متتالية لكبار الدول المانحة، وبمشاركة دولية واسعة في روما وبروكسل ونيويورك خلال أقل من ستة أشهر، وهي سابقة لم تحدث من قبل، إلا أنها لم تنجح في وضع حل جذري للأزمة المالية بقدر ما نجحت في تعرية الموقف الأمريكي الإسرائيلي من خلال ما قدمته الدول المشاركة من دعم سياسي وأخلاقي كبيرين دفعا بالمفوض العام لوكالة الغوث بيير كرهينبول، إلى توجيه سالة تطمينات للاجئين الفلسطينيين في كافة مناطق عمليات وكالة الغوث حاول من خلالها تبديد حالة القلق التي اجتاحت اللاجئين، جدد خلالها «اصرار وكالة غوث وتشغيل اللاجئين على عدم التخلي عن مسؤولياتها تجاه اللاجئين وستواصل عملها بإصرار أكبر وعزيمة لا تلين إلى جانب اللاجئين الفلسطينيين مهما كانت التحديات التي تواجه عملها».
العزيمة التي تحدث عنها مفوض عام الأونروا في رسالته التطمينية ترجمتها الوكالة الدولية بسعي متواصل للحصول على تمويل إضافي من البنك الدولي وصندوق الوقف الإسلامي وحملة شعبية حملت عار «الكرامة لا تقدر بثمن» وغيرها من الحملات والنداءات التي تخاطب شعوب العالم لنصرة اللاجئين الفلسطينيين.
وطالب أبو هولي الدول المانحة والممولة إلى التقاط الرسائل التي حملتها رسالة المفوض العام ورفع سقف تبرعاتها بتمويل إضافي يساعد الوكالة على الخروج من أزمتها المالية وتأمين تمويل كاف ومستدام لميزانيتها يضمن استمرارية عملها وفق التفويض الممنوح بقرار أممي.
وتشير التوقعات إلى أن النجاح الجزئي للمؤتمرات الثلاث حال دون تأجيل افتتاح العام الدراسي الحالي في مدارس وكالة الغوث، إلا أن النقص الكبير في ميزانية البرامج الاعتيادية ما زال يهدد استمرار تقديم الخدمات خلال الربع الأخير من العام الجاري، كما يهدد خطط الوكالة الدولية ويقوض ما نجحت «الأونروا» في تحقيقه طوال عقود مضت، تمكنت خلالها من الحفاظ على ملايين اللاجئين الفلسطينيين بعيدا عن الجهل والمرض والفقر، وإبقاء قضيتهم السياسية حية على أجندة المجتمع الدولي.
ويقول أبو هولي: «إن اللاجئين الفلسطينيين يتطلعون إلى العدالة والإنصاف في إطار حل شامل للقضية الفلسطينية يضمن عودتهم إلى مدنهم وقراهم التي شردوا منها عام 1948 ويقدرون عاليا ما قدمته وتقدمه وكالة غوث وتشغيل اللاجئين».
ولا تزال خيارات وقف عمل بعض برامج الوكالة الدولية حاضرة، وتفرض نفسها على الأرض، مع نفاد موازنة الطوارئ، والموازنة العامة، رغم نجاح مؤتمر روما في تأمين مبلغ 100 مليون دولار لصالح ميزانية الوكالة بالإضافة إلى مبلغ 50 مليون دولار تبرعت بها المملكة السعودية و50 مليون دولار تبرعت بها دولة الإمارات، إلا أن مجموع المساعدات لا تغطي سوى ثلث قيمة المنحة الأمريكية التي قلصتها إدارة ترامب «365 مليون دولار» كما تمثل أقل من ربع العجز المالي الذي تعاني منه الوكالة الدولية للعام الجاري.
وقال الدكتور فوزي عوض الخبير في ملف اللاجئين إن ما تتعرض له الدول المانحة للأونروا من تهديد وابتزاز تمارسه الإدارة الأمريكية يشبه تماما ما تعرضت له هذه الدول عندما طلبت منها إدارة ترامب نقل سفاراتها إلى القدس.
وأضاف: «يبدو أن إدارة الرئيس ترامب نصبت نفسها وصية على العالم، وباتت تقرر عن الدول ذات السيادة ما يجب أن تقول عن مستقبل القدس، ومستقبل ملايين اللاجئين الذين يتجرعون مرارة تشريدهم وتهجيرهم من مدنهم وقراهم منذ ما يزيد عن سبعة عقود».
وأشاد عوض بإعلان الرئيس الفلسطيني تشكيل لجنة عليا لمواجهة المؤامرة التصفوية فلسطينيا وعربيا ودوليا، مؤكدا أن الخطة الأمريكية الإسرائيلية لتصفية قضية اللاجئين لم تعد سرية بعد أن كشفت عنها القناة العبرية الثانية في تصريحات لمستشار الأمن القومي الأمريكي جون بولتون، مشيرا إلى أن الخطة تتضمن سحب الاعتراف بوكالة غوث وتشغيل اللاجئين «الأونروا» ورفض تعريف اللاجئ المتبع من قبل الوكالة الدولية، والاعتراف فقط بحوالي 10 في المئة من عدد اللاجئين المعترف بهم حاليا .
وقال عوض إن وكالة الغوث شكلت عامل استقرار لمنطقة الشرق الأوسط على مدار سبعين عاما، وان من الغباء شطبها وتقليص دورها في ظل أوضاع إقليمية متفجرة.
وشدد على أهمية التحرك الشعبي للاجئين لدعم الأونروا، والضغط على الأمم المتحدة، مشيدا بالاجتماع الموسع الذي عقدته دائرة شؤون اللاجئين في منظمة التحرير في مخيم الجلزون في الضفة الغربية، وضم عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الدكتور أحمد أبو هولي، وقيادات القوى الوطنية والإسلامية، واللجان الشعبية للاجئين، وأمناء سر أقاليم حركة فتح، وأمناء سر المناطق التنظيمية، إلى جانب العاملين في وكالة الغوث، مشيرا إلى أن دوائر صنع القرار في إسرائيل لا تقيم وزنا لردود الفعل الدولية بقدر ما تخشى ردات فعل اللاجئين.
وكانت اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير قد اتخذت قرارا يقضي بتشكيل لجنة متابعة للأزمة تتكون من ستة أعضاء في اللجنة التنفيذية برئاسة أبو هولي لتنفيذ خطة عمل تم إقرارها في المجلس المركزي الفلسطيني للتحرك على المستويين الدولي والجماهيري بهدف مواجهة الإجراءات الأمريكية الإسرائيلية، ولحشد التمويل الكافي والمستدام لدعم موازنة وكالة الغوث، وللتعويض عن المساهمات التي حجبتها الإدارة الأمريكية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *